هل أصبحت المفاوضات صنما؟

ما بين أستانا وجنيف وواقع المفاوضات حول سورية

تحليل

لا تتناول الفقرات التالية الثورة أو التغيير من حيث الأساس، فهذا ما فتحت الثورات الشعبية بوابة له ولن تغلق من بعد؛ إنما تتناول عنصرا واحدا هو المفاوضات، والمفاوضات في كل أزمة أو صراع أو حرب وسيلة سياسية ضرورية، إذا استخدمها من يشارك فيها فوظفها لتكون جزءا من إدارة الأزمة أو الصراع أو الحرب، وكانت له ثوابت وأهداف ومعايير، أي كانت له رؤية ذاتية مستقلة لقضيته، وشرط المشاركة هو وجود مؤشرات تبيح له ترجيح الوصول إلى ما يريد عبر استخدام وسيلة المفاوضات.

أما إذا غابت تلك المؤشرات وعجز هو عن إيجادها، وأصبح مرجحا أن حصيلة المفاوضات ستكون وخيمة وخالية من تحقيق ما يريد، فإن بقاءه واستمراره في التفاوض يعني استخدام وجوده طرفا فيها ليكون شاهد زور على النتائج الوخيمة المتوقعة.

قيمة الحصيلة لا تؤخذ من شخوص المشاركين في المفاوضات ومصيرهم، بل ترتبط بأصحاب القضية الذين يتحدث المفاوضون باسمهم، فلا قيمة للخسارة الشخصية للمفاوض، فهو مجرّد وكيل عن الطرف الأصلي، وهذا بغض النظر هنا عن كيفية توكيله ومشروعيتها؛ المفاوض يحمّل بتهوره أصحاب القضية الأصليين عبء أي وثيقة يوقعها دون أن يكون في مضمونها ما يحقق أهداف أصحاب القضية.

٠ ٠ ٠

منذ فترة لا ينقطع الحديث أن ثورة شعب سورية دخلت في نفق تدويل القضية، والمقصود أن صناعة القرار تتم واقعيا دون مشاركة فاعلة من جانب طرف سوري يمثل شعب سورية تمثيلا مشروعا.

منذ ذلك الحين تم تدريجيا تجميد فاعلية التشكيلات العديدة لتمثيل الثورة، من مجلس وطني، أو ائتلاف، أو هيئة للمفاوضات، فلم تعد تجري بمشاركة حقيقية أو نصف حقيقية من جانب أي طرف يمثل الثورة تمثيلا فاعلا، بغض النظر عن التوافقات والاختلافات الشعبية والثورية حول تلك التشكيلات أو فيما بينها أو داخل نطاق كل منها على حدة.

ومنذ ذلك الحين أيضا بدأت تتساقط البقية الباقية من أوراق التوت الدولية، ومن ذلك:

١- تغييب التناقضات التي دار الحديث عنها بشأن الإدارة الأمريكية واختزالها في أن واشنطون بمختلف مؤسساتها تريد التركيز على بقايا إرهاب داعش وترك مصير سادة الإرهاب الأسدي لموسكو.

٢- تغييب ما كان يقال عن أن موسكو تريد الحدّ من سطوة الهيمنة الإيرانية وميليشياتها الدموية، فينبغي بنظر من قال بذلك نصب الجسور مع موسكو عبر المشاركة في المفاوضات، حتى وإن كانت الدماء السورية تراق بأسلحتها الهمجية مباشرة وعبر همجية من تزودهم بالسلاح.

٣- تغييب البقية الباقية من موقف أوروبي بما في ذلك ما كان يقال عن الموقف الفرنسي المتميز عن سواه وتحّوله إلى جزء من الجوقة التي تميّز بين إرهاب وإرهاب وتنتهك مصلحة الإنسان لحساب مصالح الدول ومطامعها.

٤- تغييب البقية الباقية من دعم خليجي مشترك لشعب يدفع الغالي والرخيص في مقدمة جبهة المواجهة مع تغوّل الهيمنة الإيرانية إقليميا، وتشغيل مسرح النزاع الخليجي – الخليجي ليطغى على المشهد الإقليمي بمجموعه ليلا ونهارا، ويشغل عن استمرار تدفق النزيف في سورية، مع المخاطرة بزيادة تدفقه في فلسطين واليمن وليبيا وسواها.

٥- الوصول باستهداف تركيا دوليا وإقليميا إلى درجة أشبه بالحصار، وبالتالي تركيز اهتمامها على مصالحها الأمنية المصيرية، وحصر ما يتجاوز ذلك من دورها في سورية في نطاق تخفيف المعاناة الإنسانية للمشردين، وبعض ما يمكن تخفيف أضراره عبر أستانا وجنيف.

٠ ٠ ٠

مرة أخرى: لا تتعرض هذه الفقرات إلى الثورة الشعبية في سورية وكيفية تجديد طاقاتها، ولا إلى التغيير الذي فتحت الثورة الشعبية بوابته، ولن تغلق، إنما تتناول عنصرا واحدا هو المفاوضات. إن المشاركة في الصيغة الحالية للمفاوضات في أستانا أو في جنيف أصبحت دون جدوى بمنظور الثورة ومعاييرها وبمنظور مسارات التغيير الإيجابي المستقبلي ومعاييره، وإن التشبّث بالمفاوضات من جانب أي طرف يتحدث باسم الثورة، أصبح أشبه بعبادة صنم لا يسمن ولا يغني من جوع، بل هو من قبيل صناعة شاهد الزور؛ فالضرر حقيقي وأكبر من أي نفع وهمي يلوّح به أي طرف دون استثناء.

وأستودع الله سورية والمخلصين لثورتها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

التفاوضالثوراتالمفاوضات