تدعو جهات عديدة إلى تجديد مسار الثورة في سورية، ولم تعد الدعوات تتوقف عند تعداد المشكلات، بل غلب على كثير منها طرح الحلول، والمرجو أن لا تتحول الحصيلة إلى "عدة" مسارات منفصلة عن بعضها بعضا، رغم التشابه الكبير في الشكوى والتشخيص والعلاج المطروح، فلن نصل إلى أهداف الثورة الشعبية.. إلاّ عندما نصبح جميعا أعضاء في الجسد الثوري الواحد.
. . .
في هذه الأثناء تتسرب أقاويل عن صيغة يقبل بها الجميع.. ومن الواضح أن كلمة "جميع" لا تشمل "المعارضة" الممثلة في الائتلاف تخصيصا، أي إن استبقاء وجودها شكليا، يستهدف "تكليفها" لاحقا، بأن تتبنى ما يتفق عليه من دونها، لتعمل على تنفيذه إن استطاعت. هذا مما يستدعي التساؤل:
ما الذي بقي من "قيمة سياسية" للعمل السياسي من أجل القضية على الساحة الدولية؟
ما الذي جعل "المعارضة السياسية" مقبولة بالأمس ومهملة الآن إلى درجة الإهانة لا الاستهانة بها فقط؟
أين يضع الائتلاف نفسه تجاه هذه المعطيات؟ وهل يمكن أن يجعل من نفسه جزءا من عملية التجديد الضرورية المطلوبة، أم سيتجاوزه حدث الثورة، إما "دوليا" أو "ثوريا"؟
. . .
في ميادين المواجهة بين ثوار سورية وحولهم "الشعب المحاصر" في كل مكان، وبين الطائرات والبراميل المتفجرة، لا تزال "الثورة" تؤكد وجودها عبر خليط من تقدم محدود وتراجع محدود، وفي الوقت نفسه:
يزداد نشر التقارير عن الضحايا والمعاناة، وتعميم غياب الحلول والدعم.. هذا علاوة على إبراز الخطر الكبير الكامن في خلاف وصدام بين فصائل يتطلع بعض قادتها إلى هدف يستحيل تحقيقه: "الانفراد بالميدان". ومن وراء ذلك كله وضع الثورة في سورية على الخارطة الأكبر: أعاصير التحرك المضاد للشعوب وثوراتها، لا سيما في اليمن ومصر وليبيا.
. . .
إن الرسالة التي يجري توجيهها إلى سائر من يعملون سياسيا وميدانيا وفكريا أيضا تقول بوضوح:
كفاكم ثورة أيها السوريون.. فلا جدوى منها ولو استمر نزيفكم في محرابها أربعين عاما.
ويوجد رغم ذلك من يوصفون بأنهم "متفائلون" كصاحب هذه السطور، عندما يقولون:
إن العودة إلى الوراء مستحيلة، وإن ما يجري فصل في مسار الثورة والتغيير، ستليه فصول أخرى، وليس فصلا من فصول "مسرحية" يمكن أن تختتم بإسدال الستار على "شخوصها"، فشخوصها هم الضحايا.. من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين وسائر شعب سورية في كل مكان.
ولهذا لا بد من القول أيضا:
احذروا أيها السوريون.. فانقطاع الثورة يعني الانكفاء مجددا في كهوف الاستعباد والقتل البطيء -ربما- أربعين سنة أخرى أو أكثر.
ولكن:
تجديد الثورة.. واستمرارها.. ومعافاتها.. وتقويتها.. هدف يستحيل تحقيقه عبر ذات الطريق الذي سلكه الثوار والسياسيون وغيرهم من الداعمين والممولين من قبل.. ولا جدوى من "الكلام" عن تجديد قوة الثورة، إن لم يتضمن "العمل" أجوبة واضحة المعالم على سؤال محوري يطرح تفسه تلقائيا:
كيف تبرأ الثورة من أمراضنا كي تقف على قدميها مجددا
. . .
التجديد يتطلب المراجعة الذاتية.. وهذا ما لا يصنعه إلا قلة.
لا بد من "تجديد" جسم الثورة الميداني، ولا بد من تحقيق مستوى أفضل في لعمل الفكري، والدراسات، والتوثيق، والميدان الحقوقي، وقطاعات الإعلام.. إنما يقف هذا الحديث عند قطاع واحد وهو التجديد السياسي، كمثال على سواه.
إن التجديد السياسي يبدأ بالائتلاف الوطني.. لأنه احتل الصدارة عند السؤال عن "العمل السياسي" من أجل الثورة.
والتجديد المطلوب هنا هو أن يصبح الائتلاف "عنصرا" من عناصر الثورة، وليس قطعة من مشهد المسرح السياسي الإقليمي والدولي "حول" الثورة.
وللتجديد ميادين عديدة من الأمثلة عليها "التوسعة" فقد سبق رفع عنوانها على إجراءات لم تغير ولم تجدد الوضع، فالمطلوب مثلا:
التوسعة.. ليس بضم من ترضى عنه هذه الدولة أو تلك، بل من يمثل -خارج الائتلاف- الثورة والشعب والوطن..
من الأطياف الشعبية.. وليس الأحزاب والتجمعات
من الناشطين الداعمين في مختلف الميادين.. بغض النظر عن الارتباطات الرسمية إقليميا ودوليا..
من أهل الثقة عند المقاتلين في الجبهات ضد الاستبداد.. بغض النظر عن مدى قربهم من أصحاب المال..
من العاملين في أشد الظروف لتيسير الأمور المعيشية.. بغض النظر عن الظهور الاستعراضي الإعلامي..
من الإعلاميين المبدعين منذ حملوا "الجوالات" سلاحا.. بغض النظر عمن يحتفي الإعلام "الفاخر" بهم..
من أهل التخصص في الميادين الإدارية والتنميوية وغيرها.. بغض النظر عن درجة علاقتهم بكبار الأعضاء..
من المسعفين في الحياة المدنية عبر "مجالس محلية" ودونها.. بغض النظر عمن ربط وجودها بوجوده فيها..
. . .
العمل السياسي للثورة قابل للإصلاح والتجديد والتقويم والتقوية والتفعيل.. ولكن:
لا توجد الآن وسيلة انتخابية مضمونة.. فلا بد أن يكون تمثيل الشعب والثورة في المحافل السياسية، عن طريق التعبير الفعلي الواقعي عن إنجازات من ينجز على أرض الثورة، ومن يلتصق بشعب الثورة، وليس عن طريق "السباقين" إلى الصفوف الأمامية، المتسائلين بلهفة: متى نتلقى الدعوات مجددا من صناع القرار إقليميا وعالميا؟
ويغني التفصيل حول "التوسعة" عن تفصيل آخر حول عناوين التجديد المطلوب أيضا، كالصيغة الاستراتيجية البعيدة المدى، إلى جانب المخططات السياسية المرحلية، أو كالعمل الحرفي اعتمادا على الكفاءات وليس اعتمادا على المحاصصة أو الولاء، أو القيادة الجماعية المتواصلة مباشرة مع الشعب وميادين المواجهة، وليس قيادات فردية متواصلة مع جهات دولية وإقليمية تستخدمها أكثر مما تخدم القضية..
القائمة طويلة، وليست بنودها مجهولة عند المسؤولين في الائتلاف وسواهم، ولا تتحقق دون أن يصبح الائتلاف ساحة تضم جميع من يمثل شرائح شعبية عريضة، ممن ينتمون إلى الثورة فعلا، من مسلحين وغير مسلحين، من أطباء وعمال، من رجال ونساء، من عرب وأكراد، من الصغار في عيون السياسيين ومن الكبار في عيون المشردين والنازحين.. من الخبراء في الإدارة والعطاء العلمي والفكري والحقوقي وغيره ومن الكادحين في العمل الإغاثي والأهلي والإداري المحلي.
نبيل شبيب