رأي – منظمة حماس.. والثورة في سورية

سيان ما يصدر عن المنظمة العدوانية المسماة "حزب الله" -وأمثالها- بشأن الثورة الشعبية في سورية طلبا للحرية والكرامة والعدالة، فلم يعد يصدر عنها شيء يفاجئ إنسانا كريما عاقلا، ولم يعد يوجد مجال للموازنة بين ارتكاب الجرائم تحت راياتها ورايات أمثالها، وبين ما كان يجري توظيفه تحت عنوان المقاومة أو التحرير أو قضية فلسطين أو الذرائع الوطنية أو الصراخ بشعارات مزيفة.
ولكنّ أي موقف يصدر عن "حماس" -وأمثالها- يهمّنا ويثيرنا ويسعدنا أو يؤلمنا لأنها منظمة نشأت للمقاومة ولم تتاجر بها، وحوصرت وحوربت مع أهلنا من شعب فلسطين الذي احتضنها وتحتضنه، فشاركته وهو قطعة من جسدنا الواحد وحاضرنا ومستقبلنا، في السراء والضراء، والانتصارات والمعاناة، ولا تزال كذلك. 
ولهذا فإن كل من يتابع الأحداث والمواقف بعمق وموضوعية ويقوّمها بعيدا عن الانفعالات وعن التعصب وبعيدا عن الانخداع بمظاهر أفعال أو أقوال..
(١) لا يجد في التراشق الأخير بين الميليشيا التي تمارس الإجرام بحق شعب سورية، وبين الإسرائيليين الذين يمارسون الإجرام بحق شعب فلسطين والمنطقة بأكملها، إلا مناورة أخرى تجمع بين متطلبات الصراع على هيمنة أحد المشروعين الإيراني والصهيوني، ومتطلبات تبادل الخدمات، هنا لصالح معركة انتخابية وهناك لترميم ما لم يعد يمكن ترميمه من وجه مشوّه ملوث بدماء الأبرياء، لمن كان يصف نفسه بزعيم المقاومة في لبنان.
(٢) ولكن كان لا بد من الشعور بالألم.. وكذلك بالخوف على "حماس" عندما يتجاوز بعض قادتها في تصريحاتهم المستفيضة عن "الرد على عملية الاغتيال الإسرائيلية" حدود ما يمكن وصفه بالاضطرار تحت وطأة الحصار، تجاوزا غير مقبول، عبر استخدام عبارات التملق والمديح، بل والاحتفاء و"الفرحة"،وكأنه لا يوجد قسط كبير من المسؤولية "الميليشياوية" المباشرة والمشاركة الإجرامية المعلنة، عما شهدته وتشهده سورية، وشمل مئات ألوف الشهداء ومئات ألوف المعتقلين والملايين من المشردين وما لا نستطيع إحصاءه من الاعتداءات بالتعذيب وبالاغتصاب على النساء والأطفال والناشئة والشباب.. ناهيك عن اغتصاب عدواني خطير للوطن والقضايا المصيرية، وفي مقدمتها قضية فلسطين.
الضحايا جميعا من أهل الشام سيان أي هوية حملوا، ومن ذلك الهويات السورية والفلسطينية واللبنانية.. أو هم من العرب والمسلمين أو من "جنس الإنسان" عموما..بل لو كانوا من أهل المريخ لوجب على حماس وأمثالها أن تتجنب إيذاءهم بكلمة، ما دامت غير قادرة على الدعم المباشر، فهي من "جبهة" من يرتبط وجودهم وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم بالتزام القيم بمختلف المعايير، وعندما ينزلق صاحب القيم إلى ارتكاب خطأ جسيم، لا يمكن أن توجد جبيرة لإصلاح ما ينكسر من سمعته.

. . .

منظمة حزب الله انتهى أمرها.. وما لجرح بميت إيلام، ولا يختلف استمرار وجودها وتواصل ارتكاب الجرائم بأفاعيل قياداتها، عن استمرار وجود زمرة الانقلابيين والمستبدين عبر القوة الدموية إلى أن يحين موعد السقوط النهائي، أما "النهاية الحقيقية" للمنظمة فقد وقعت مع غياب احتضانها من جانب الشعوب، عن وعي وبصيرة، وليس عن تعصب وجهل، ولهذا لاتستغرب شعوبنا ما تصنعه أو لا تصنعه في مرحلة الاحتضار، قبل بدء الحساب الأكبر بين يدي العزيز الجبار.
أما حماس فهذا بالذات ما نخشاه عليها وعلى أمثالها.
ولكن يجب في الوقت نفسه أن يكون نصب أعين حماس وسواها، أن هذه الخشية عليها ليست لأنها "حماس".. ولكن لأنها تمثل المقاومة والتحرير في الوقت الحاضر..
ويجب أن يكون نصب أعين قادتها أيضا أن هذه الخشية لا تعني الخشية على فلسطين نفسها وعلى قضية فلسطين والمقاومة والتحرير، كما أنها لا تعني أبدا الخشية على قضية تحرير إرادة الشعوب وتراب الأوطان، فجميع ذلك كان رسالة وأمانة ومهمة ومسؤولية، من قبل وجود حماس وأخواتها، وسيبقى كذلك، من قبل وجود أي فصيل ثوري في سورية وأخواتها، وسيبقى كذلك..
عندما يسقط فريق، أي فريق مهما علا شأنه لفترة من الزمن، إنما يخسر نفسه، ‎ويقيض الله فريقا آخر للنهوض بتبعات الرسالة والأمانة والمهمة والمسؤولية.
ليس مستقبل القضايا المصيرية بأيدي فرد، ولا منظمة، بل بأيدي الشعوب التي تنجب الأفراد المخلصين القادرين والمنظمات المستقيمة القادرة.. لهذا يمكن أن نخشى على إخوتنا من حماس عندما يخطئون، دون أن نفقد يقيننا المطلق بانتصار قضايا الحق على أيدي الشعوب بعون الله.

. . .

إن أولى خطوات السقوط هي "خداع النفس" بضرورة اتخاذ موقف "لا أخلاقي" تحت ضغوطالمعاناة والحصار، أو بتأثير ما يسمّى "السياسة الواقعية" بمعناها المنحرف، الذي يجعل من المصالح المشروعة هدفا "يبرر" إعلان مواقف غير مشروعة، واستخدام وسائل غير مشروعة..  ويجعل من طلب المنافع الباطلة أيضا سلوكا يقلد سلوك ساسةمنفعيين، نعلم أنهم هم "أعداء الإنسان والقيم" في عالمنا المعاصر.
ما الذي يبقى بعد ذلك للتمييز بين أهل الحق بجميع المعايير العقدية الربانية و"الوضعية" البشرية، وبين أهل الباطل؟
ثم إن حماس وأمثالها في مقدمة من يعلم أن الإقدام على خطوات من قبيل ما سبقت الإشارة إليه، لا يعني أبدا الحصول على "ثمن" من قبيل تأييد طرف ما، كالسلطة في إيران ومن يركب مركب هيمنتها، أو من قبيل تأييد طرف آخر كالسلطة في مصر ومن وضعها في مركب الغرق مع انقلابها.
في موازين قضية فلسطين المصيرية وقضية تحرير إرادة الشعوب التي يستحيل تحرير فلسطين دون تحريرها، يجب أن يكون واضحا لحماس وأمثالها، أنه حتى مع افتراض الحصول على "ثمن" ما، أي ثمن، من جانب المسؤولين عن إراقة الدماء، ولو كان "الثمن" سلاحا ومواقع تدريب ومكاتب تمثيل.. فجميع ذلك لا يعوض خسارة تأييد إنسان كريم واحد من  وسط شعوب لم تنقطع عن احتضان المقاومة والتحرير وهي تحت القصف والحصار والمعاناة، ولولا احتضانها لما استمرت المقاومة في الماضي ولا يمكن أن تستمر في الحاضر.
ولندع في هذا الموضع الحديث عن الخسارة الأكبر يوم القيامة.

. . .

أما أنتم يا أهل سورية الذين لا يأبهون بخناجر الميليشيات المستوردة ومشاركتها المباشرة في سفك الدماء، ولكن تؤلمهم "كلمات" مرفوضة صدرت عن قيادات حماس، التي لم تشارك في سفك دماء بريئة.. فلا يفيد قضايانا أبدا الرد على كلام نرفضه بكيل الصاع صاعين كلاما ينتشر في "عالم افتراضي".
إن خناجر تلك الميليشيات في النحور والصدور أخف وطأة في نفوسنا من "كلمات"، لأن الكلمات تصدر عمن نعتبره قطعة من جسد واحد على امتداد الأوطان وامتداء قضايا الإنسان.. فكل ما نوجه إليه يصيبنا معه.
لا مجال للخلط إطلاقا ولا ينبغي أن يكون في رفض ما صدر عن "حماس" ما يجعل أحدا منا يشعر في لحظة من اللحظات بأن أهل قضية التحرير في سورية يردون على أهل قضية المقاومة في فلسطين!..
القضية قضية واحدة، ولا يوجد في عرفنا قضية عنوانها تحرير سورية وشعبها وقضية عنوانها تحرير فلسطين وشعبها.
لا يوجد في عرفنا ولا في واقعنا إمكانية للفصل بين قضية وقضية، وعندما ترتكب منظمة من قبيل حماس، خطأ نقول: هذا خطأ، حرصا على جميع قضايانا وجميع الشرفاء في خدمة قضايانا المصيرية، تماما مثلما نقول: هذا خطأ، عندما يرتكبهفصيل من فصائل الثورة في سورية، فما يضير سورية وثورة تحريرها وشعبها يضير فلسطين وثورة تحريرها وشعبها، والعكس صحيح.
وفارق كبير بين الانزلاق إلى "تمزيق" نسيج قضايانا المشتركة، وبين النقد الذي نستشعر في أسلوبه ولغته وطريقة نشره أننا ننقد به أنفسنا، لأن من ننتقده قطعة منا.

نبيل شبيب