رأي
من يذكر آخر مؤتمر بعنوان محادثات جنيف حول سورية؟
لقد أصبح هذا المسار بضاعة كاسدة ونسيا منسيا، كذلك الأمر مع محادثات سوتشي التي عفا عليها الزمن وصارت نسيا منسيا، أما محادثات آستانه فوجدت مؤخرا محاولة لنفخ الروح فيها كما لو كان لها روح من قبل.
هذه الصيغ الموصوفة بمسارات سلام إنما نشأت بقرار دولة أو أكثر، فإن دعت إلى لقاء لبّى الدعوة فريق من سوريين يعتبر نفسه ممثلا شرعيا أو يود أن يصبح ممثلا شرعيا لشعب سورية ولسورية الوطن والحاضر والمستقبل.
هل هذا هو السبيل إلى تمثيل شعب سورية تمثيلا مشروعا بمفهوم القانون الدولي المعاصر؟
نتحدث هنا بمنطق الحقوق الوطنية بغض النظر عن تطلعات شعوبنا إلى توحيد بلادنا أو تلاقيها على أرضية عربية قومية أو إسلامية حضارية، فذلك حديث آخر، مع ملاحظة أن هذه تطلعات تتماشى مع القانون الدولي المعاصر، وهي ديدن كثير من قوى الأرض كما يشهد ما يوجد من تكتلات دولية معروفة.
ومن المنطلق الوطني نتساءل:
هل تفضي مسارات آستانه وسوتشي وجنيف وما يشابهها إلى تحقيق صيغة من صيغ المشروعية لتمثيل إرادة شعب سورية، أم هي مجرد محادثات تدور حول رؤى من يدعو إليها ويشارك فيها فحسب، وتخدم مصالحهم بالذات؛ هذا وإن تقاطع بعض تلك الرؤى والمصالح أحيانا مع تمثيل إرادة شعب سورية ومصالح سورية وطنا وأرضا.
إن شعب سورية كأي شعب لا تمثله سوى إرادته؛ ولا يعبر عن إرادته إلا هو نفسه؛ ولا يتحقق ذلك عبر استبداد داخلي عائلي أسدي أو سواه، ولكن هل يوصل إلى ذك مسار تصنعه دول أجنبية تعبر عن رؤاها ومصالحها، بمشاركة هذا الفريق أو ذاك من السوريين؟
ليس محظورا على أي طرف أن يفكر ويتحدث ويتحرك بدعوى خدمة شعب سورية ووطنه في حاضره المأساوي أو مستقبله المنشود، ولكن لا تكتسب نتائج تلك الرؤى والمحادثات والتحركات صفة المشروعية باسم الشعب والوطن والأرض إلا بشرطين:
الأول – التزام ثوابت قانونية وتاريخية، بلا تمييع ولا تزييف، ومنها السيادة والاستقلال ووحدة الأرض ومنظومة الحريات والحقوق والقيم الحضارية الذاتية في نطاق التعددية المعروفة في دول معاصرة أخرى.
الثاني – تأمين ضمانات الحرية والنزاهة لطرح أي نتيجة على شعب سورية ليقول كلمته، بكافة فئاته ومكوناته، في الوطن والشتات، عبر استفتاءات وانتخابات قويمة، مع ضمان حقوق الغالبية دون التفريط بحقوق الأقليات.
ليست المشروعية بقبول ما يصنع الآخرون في مجموعات دولية باسم سورية وشعبها، مع محاولة إضفاء لمسات مشروعية مزعومة ما، من خلال مشاركات السوريين، الجزئية، والمنقوصة القدرة على الاستقلالية في قراراتها ومواقفها.
بالمقابل: إن تحويل الأفكار النظرية إلى واقع مشهود يتطلب بذل جهود توافقية بين اجتهادات أصحابها، ولكن لا يستقر واقع عبر تلك الجهود ولا يصمد في صراع المصالح والمطامع، ما لم تتوافر له معالم واعدة وفاعلة لتحقيق مشروعية تمثيل شعب سورية، وفق القانون الدولي المعاصر ووفق التراث الحضاري الذاتي من عصر حمورابي واختراع الكتابة، إلى يومنا هذا.
وأستودعكم الله وأستودعه قضايانا العادلة وشعوب بلادنا جميعا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب.