رأي – ليس أمامنا خيار سوى انتصار الثورة

ليس سهلا أن نرى في عتمة الظلمات ما وراء الأفق.. ولكن لن نستطيع دون ذلك أن نتحرك في مكاننا ونتلمّس وجهة سيرنا، فلا بد أن نتجاوز بأحاسيسنا الصادرة عن اليقين، وبتوقعاتنا الصادرة عن المعرفة، جحافل الظلمات المتراكمة أمام أبصارنا.

هي ظلمات قصف همجي يومي.. وأبصار عمياء كقلوب أصحابها

هي ظلمات آلام رهيبة صارخة.. وآذان صمّاء كعقول أصحابها

هي ظلمات تحالف إقليمي ودولي.. ونزاعات رعناء بين المستهدفين به من أهلنا وأهل ثورتنا

هي ظلمات أفاعيل من صنع إبليس وملئه.. تُنسب إلى من ينتحل اسم ثورتنا أو عنوان إسلامنا

ليس معظم هذه الظلمات من صنع أيدينا، ولم نملك الحيلولة دون صنعها، ولكن نملك أيدينا وأبصارنا لنصنع ما ينبغي كي نوجه أبصارنا وراء الأفق، ونرى من وراء الظلمات المتراكمة إشعاع نور يصنعه المخلصون من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وشمائلنا.

. . .

لقد أطبقوا الخناق على معظم الثورات الشعبية أو يكادون، ولا يزال يوجد في كل بلد ثائر من الطاقات الشبابية الثائرة ما يؤكد أن المسيرة مستمرة، وأن بعد هذه الجولة جولات، أما في سورية فلم يصلوا إلى شبيه ما وصلوا إليه مع سواها، إنما يضعون الآن كل ثقلهم لهذا الغرض، ومن ذلك أنهم تحركوا ليقتحموا عرين الثوار المخلصين بإرهاب داعش فالحرب على إرهاب داعش، وليقتحموا عرين وحدة أهل الوطن الواحد، عبر زرع الألغام في قضية الأكراد، وهم من أهل الوطن الواحد، وتحركوا بالضجيج السياسي والإعلامي حول ما يصنعون مباشرة، للتعتيم على استمرار جرائم من يزعمون أنهم لا يرون له شرعية ولا قيمة.

عندما يتحركون بأنفسهم، بطائراتهم ومستشاريهم وقنابلهم ومبعوثيهم وبأتباعهم وعبيدهم، ويستهدفون ثورة شعب سورية عبر بوابة استهداف العراق وأهله، أو داعش وإرهابها، فذاك ما يكشف أنهم لم يستطيعوا تحقيق أغراضهم في سورية خلال أربع سنوات ماضية اعتمادا على من يمكن أن يقوم مقامهم، كما جرى ويجري في مصر واليمن مثلا، أو كما يراد أن يتحقق في ليبيا مثلا.. لم يجدوا من الثوار في سورية من يمكن أن يكونوا من “المعتدلين” أي من “المفصلين” على مقاس أغراض منظومة الهيمنة والتبعية، وهم لا ييأسون، فأصبحوا مع استهدافهم “جميع” الثوار، يعملون لصناعة “بديل” عنهم.. يحمل صفة “المعتدلين”، ويتوهمون قدرتهم على ذلك خلال سنين، يقضونها في إثارة مزيد من ظلمات ما يصنعون بأنفسهم لحجب الرؤية عن أبصار الثوار المخلصين، ناهيك عن دعم وسلاح أو مجرد كلمة صادقة.

. . .

لا بد أن ندرك في مسار الثورة الشعبية في سورية..

أنها قامت ضد الاستبداد بجميع أشكاله، محليا كان أم دوليا، إقليميا كان أم عالميا، وسواء تحالف أخطبوط الاستبداد المحلي مع شيطان أصغر أو شيطان أكبر، وسيان هل لبس عباءة إيرانية أو عربية أو قبعة أمريكية أو أوروبية..

لا بد أن ندرك..

أن مثل هذه الثورة الشعبية ضد مثل ذلك الاستبداد لا يمكن أن تنكفئ بسبب سقوط قناع ضاحك على وجه حاقد، وظهور تكشيرة عدو وراء بسمة صديق، ولا ينبغي أن تتوقف الثورة عن المسير كما لو أنها “فوجئت” بما تصنعه شرعة الغاب المهيمنة، مقابل حجم الأمانة الكبرى على عاتق الثورة، تجاه أهلها في الوطن الواحد، وتجاه أهلها في هذه المنطقة الحضارية الواحدة، وتجاه الإنسان ومستقبل الإنسان في هذا العالم والعصر..

. . .

ليس أمامنا خيار آخر سوى استمرار الثورة حتى يتحقق التغيير فهو النصر المطلوب

أصبحنا مع الثورات الشعبية الأخرى التي أطلق عليها وصف الربيع العربي في “عنق الزجاجة”، فإما أن يكتمل خنقها ونعود وتعيش الأجيال القادمة.. أي أبناؤنا وبناتنا وأحفادنا وحفيداتنا، شبيه ما كنا عليه من موات الركون إلى واقع فاسد ظالم كريه، أو أن يستمر انفجار الإرادة الشعبية التي صنعت الثورات، فتنطلق من عنق الزجاجة طاقة لا حدود لها لإعادة كتابة سطور تاريخنا الحالي، لصناعة المستقبل.. مستقبل أبنائنا وبناتنا وأحفادنا وحفيداتنا.

ليس أمامنا خيار.

نبيل شبيب