مهما كانت تعليلات المجرم الإرهابي في جريمة نيوزيلاندا يوم الجمعة في منتصف آذار / مارس 2019م، ومهما كانت تعليلات المجرمين الإرهابيين في جريمة سريلانكا يوم الأحد 21 نيسان / إبريل 2019م، فالضحايا أبرياء، لم يرتكبوا جريمة، ولا مارسوا عدوانا، ولا يجوز قتلهم بمختلف المعايير في الشرائع السماوية والأرضية على السواء.
ويبدو أن العلاقة بين الجريمتين علاقة مباشرة، عنوانها دوامة الانتقام والانتقام المضاد، وفق تصريحات رسمية وبيانات توضيحية للإجراءات السياسية المقررة في نيوزيلاندا، ووفق التصريحات الرسمية الأولية (ساعة كتابة هذه السطور) في سريلانكا.
ولم يكن رد المسؤولين في نيوزيلاندا تقليديا ولا سطحيا، بل يكشف عن الرغبة في مواجهة الخلفية الأعمق لتصعيد صيغ الانتقام من جانب أفراد منحرفين وتنظيمات إرهابية، وهو تصعيد ينذر بتطور خطير نحو الأسوأ على صعيد العلاقات البشرية لا “الرسمية” فقط، بل هو الأسوأ بمساره ومآلاته في ميادين بعيدة عن السياسة والسياسيين وصناع القرار معهم ومن وراءهم، وبالتالي هو الأسوأ على صعيد سقوط الضحايا من صفوف عامة الأبرياء، بما في ذلك المتدينون وغير المتدينين من المنتسبين للأديان السماوية وغير السماوية، وكذلك من المنتسبين للتوجهات الحضارية والثقافية وتوهم قابلية عزلها عن الأديان أو ما يسمونه “أيديولوجيات”.
ويرجى أن يكون رد المسؤولين في سريلانكا من نوعية الرد النيوزيلاندي وعلى مستواه، وأن يكون فيه أيضا ما يدفع المسؤولين وصناع القرار في بلدان أخرى إلى التصرف على مستويات لا تقف عند ما يوصف بالحل الأمني لظاهرة إجرامية أوسع انتشارا وأعمق أسبابا من العنوان الإجرامي الإرهابي الذي تحمله.
لم يعد يكفي أن تعقد لقاءات حوارية، دينية وغير دينية، دون مستوى صناعة القرار، ولا أن تتدفق الإدانات للإرهاب، مع الحذر من إدانات موازية لجرائم ترتكب بعنوان سياسي، بذريعة أن هذا “يبرر” للإرهابيين ما يزعمون من تعليلات لجرائمهم، وهي ذريعة تشغل عن الموضوع ولا تنشغل به.
كذلك لم يعد يكفي – من جهة – أن تستثني لقاءات الحوار جوهر الخلافات في عالم حافل بالمآسي والمعاناة، فتبقى حبيسة تبادل المجاملات وحتى الاتهامات المتبادلة، كما لم يعد يكفي – من جهة أخرى – أن يصل الغضب من جرائم تحت عناوين سياسية عنان السماء ولكن مع السكوت أو التجاهل في اتخاذ المواقف من جرائم إرهابيين ما دام ضحايا عملياتهم لا ينتمون لمثل ما ينتمي إليه الغاضبون، من عقيدة أو جنس أو اتجاه سياسي أو فكري.
الجميع يقول في هذه الأثناء إن الإرهاب لا دين له، ولكن يتصرف كل فريق تجاه ما يقع من عمليات إرهابية بما يتناقض مع هذه المقولة.
الجميع يقولون منذ زمن بعيد بصيغة أو بأخرى إن السياسات سياسات مصالح نفعية ذاتية (براجماتية) ولا علاقة لها بقيم أو أخلاق، ويرصدون نتائج ذلك في واقع البشرية، ثم يتصرف هذا الفريق وذاك الفريق، وفق ما يظن أنه يحقق مصلحته النفعية الذاتية بلا أخلاق ولا قيم ولا ضمير، ويظهر الغضب والعجب إزاء إرهابي يتصرف بلا أخلاق ولا قيم ولا ضمير.
نحتاج إلى تحالف الأبرياء مع الأبرياء.. من جنس الإنسان.
نحتاج إلى تحالف ذوي القيم والأخلاق.. من جنس الإنسان.
نحتاج إلى أصحاب الفكر الناضج الواعي.. من جنس الإنسان.
نحتاج إلى خوض المواجهة معا ضد كل ما يصنع مأساة بشرية، لأي إنسان، وأي شعب، وأي جنس من البشر، في أي بقعة من المعمورة، مهما كان تعليلها مهووسا بجنون العظمة من وراء صناعة قرار إجرامي، صغير أو كبير، داخل جحور الإرهاب أو داخل قصور وأبراج شاهقة، مشيدة بثروات الإنسان على حساب الإنسان.
نحتاج للتلاقي على المبادئ والمثل وحقوق الإنسان، قواسم مشتركة لجنس الإنسان، رغم تعدد العناوين، الدينية وغير الدينية، دون اشتراط أن تتقمص هويتي لأقبل بك شريكا ولا أن أتقمص هويتك لتقبل بي شريكا.. ولأصحاب العقيدة الإسلامية يجب أن نضيف: آنذاك فقط نحقق ما نردده عن حضارتنا أنها حضارة (لتعارفوا).
نبيل شبيب