رأي – تقارب تركي سعودي

لن تؤدي القمة التركية-السعودية إلى تبدل شامل وجذري في السياسات السعودية على خلفية ثورات "الربيع العربي" كما يتمنى كثير من السوريين والمصريين، الذين يرون الصواب في السياسة التركية تخصيصا.السعودية دولة لنظامها رؤية ومصالح ومخططات وتركيا دولة لنظامها رؤية ومصالح ومخططات، يمكن البحث عن قواسم مشتركة بينها، ويمكن أن نرصد تغييرات جزئية لصالح الطرفين، ولكن لا ينبغي أن نتوقع التغيير "الكبير" -ولا الفوري قطعا- بالمعايير التي ننطلق منها وفق منظور شعبي ثوري تغييري، في مصر أو سورية أو أي بلد آخر.
قد يكون التمني مشروعا ولكن تحديد تصوراتنا الواقعية وتوقعاتنا الموضوعية هو المطلوب.. ولتحديد هذه التوقعات نحتاج إلى النظر في موقع القمة الثنائية من الأبعاد الإقليمية-الدولية، ليمكن استشراف المواطن المحتملة لتأثير القمة -وهي حدث يرمز إلى تقارب سياسي واسع-  على تعامل الطرفين مع الوضع في مصر والوضع في سورية، كأمثلة على ميادين وقضايا أخرى.

. . .

أصبح المشروع الإيرانيالإقليمي داميا وعدوانيا، يوجب على الطرفين قدرا أكبر من التعاون الإقليمي، لا سيما وقد ظهر أنه مشروع يجد درجة لا بأس بها من الدعم الأمريكي، المباشر وغير المباشر، على حساب علاقات "التحالف" مع قوى إقليمية أخرى، في مقدمتها السعودية وتركيا.
ولا شك أن المصالح الاقتصادية من المجالات التي يبني الطرفان علاقاتهما عليها علاوة على المصالح "الأمنية" والسياسية، وهذا ما يمكن توسيع نطاقه بقدر ما يتعامل الطرفان مع بعضهما بعضا على قاعدة تبادل المصالح المشروعة، وتجنب إلحاق الضرر بالآخر فيما يبقى الخلاف حوله قائما.
إن التقارب المتجدد، الذي بدأت معالمه الأولى بالظهور فور تبدل السلطة في الرياض، سيؤثر تلقائيا وموضوعيا على "التعامل" مع الوضع الانقلابي الشاذ في مصر، وعلى الوضع الإجرامي الخطير في سورية، ولكن المهم أن نقدر الحدود الفعلية للتأثير المحتمل. 
قد ينخفض -مثلا- الدعم السعودي دون حدود ودون شروط، للتحرك الانقلابي في مصر، الذي أصبح يهدد "وجود" مصر نفسها كدولة ذات شأن إقليمي كبير.. إنما لا يعني انخفاض الدعم بالضرورة تفاعلاسعوديا مطلقامع الموقف التركي الرافض كلية للتحرك الانقلابي المضاد للثورة، فالتقارب الجديد بين الجانبين نتيجة لتبدل معطيات معينة لدى كل منهما على حدة:
– ظهر للعيان أن التوقعات السعودية من هذا الدعم للانقلابيين لم تتحقق، أو تحقق معها ما يلحق الضرر بالسياسات السعودية الأوسع نطاقا من العلاقات مع مصر وحدها.
– بالمقابل رصدت السياسات التركية تجاه مصر وسواها، أنها في حاجة إلى "حلفاء إقليميين"، لا سيما وأن المنطقة بأسرها حاليا مسرح مأساوي "دموي" كبير لتحرك عدواني من جانب عدة قوى دولية وإقليمية.

. . .

ما يسري على التعامل مع الوضع في مصر يسري بصورة مشابهة على التعامل مع اليمن.. وليبيا.. وكذلك سورية، حيث وصلت بوائق التعامل الدولي والإقليمي على مدى أربع سنوات مع الثورة الشعبية فيها إلى مفترق طرق ما بين احتمالاتٍ جميعُها بالغ الخطورة إقليميا، بغض النظر عن المحور الأهم للثورة وهو تحرر الشعب والوطن، ومن تلك الاحتمالات:
– استبقاء جزئي لنظام دموي همجي لم يعد يصلح أصلا للتعامل السياسي وغير السياسي معه.
– ترسيخ أقدام "احتلال" إيراني واقعي، يمثل "حزاما ناسفا" لمصالح أخرى إقليمية ودولية.
– انتشار "فوضى هدامة" على "خلفية إرهابية" و"نزاعات قومية"، انطلاقا من أرض سورية والعراق، ويتوافق ذلك مع رغبات دولية، أمريكية في الدرجة الأولى، من أجل هيمنة أجنبية على خارطة إقليمية جديدة، وعلى أنقاض مقومات نهوض المنطقة بمجموعها، ولا يتوافق ذلك مع المنظور السعودي أو التركي.
لهذه الأسباب وسواها يجد الطرفان التركي والسعودي معطيات ومنطلقات جديدة "تحتم" التقارب بينهما، والفارق كبير بين "حتميات سياسية ومصلحية" مشروعة في الأصل، وبين "تمنيات ثورية شعبية".. وإن كانت مشروعة أيضا. 
موضوعيايمكن أن يسفر التقارب التركي-السعودي بالنسبة إلى التعامل مع الوضع في سورية عن:
– عمل مشترك للحيلولة دون تمزق جغرافي "قومي وطائفي" في سورية والعراق، لصالح أطراف بعينها، مثل إيران وأمريكا وكذلك القوة الجديدة لفريق معين من الأكراد، على حساب فريق آخر.
– قواسم مشتركة للتعامل مع "التيار الإسلامي" عموما، قد ينهي جزئيا ‎شيطنة كل ما يحمل عنوان "إسلام سياسي"، وحتى "إسلامي حركي.. واجتماعي"، وقد يطوّر جزئيا ما بدأ طرحه تحت عنوان "برامج تدريب ثوار معتدلين!" في سورية.
– الحد من سياسات "خليجية" أخرى معادية بالمطلق لتركيا، مقابل انفتاح تركي أكبر على جهات تتلقى دعما خليجيا أكبر في خارطة "الفسيفساء" السياسية والميدانية للثورة في سورية وسواها.
– لا يستبعد التعاون في ميادين أخرى لا تتطلب مواقف سياسية جديدة بل قرارات سياسية فحسب، كالتعامل مع المشردين عن سورية، ومع أنشطة التربية والتعليم، وما شابه ذلك.

. . .

إنما يبقى ثابتا:
سيان كم يبلغ تأثير التقارب التركي-السعودي، وسواه من تطورات إقليمية ودولية، فلن يتمكن من "الإسهام" في مسار الثورة والتغيير في سورية، ومصر، وأخواتهما، إلا بمقدار ما يوجد "أصحاب القضية" أنفسهم معطيات ذاتية كافية للاستفادة من تلك التطورات وتوظيفها لتحرير إرادة الشعوب، وفتح أبواب المستقبل للنهوض والعدالة والحرية والكرامة.

نبيل شبيب