رأي – بين توثيق التعذيب واستهداف الثورة

دون التشكيك في مصداقية منظمة العفو الدولية، ومع كل التقدير لما قامت وتقوم به من توثيق لجرائم الهمجية الأسدية ضد الإنسان والإنسانية، لا بد من التنويه إلى مفعول نشر وثائق جديدة عن تلك الجرائم، ومفعول استعراض خواء ردود فعل دولية كلامية متكررة دون خطوات عملية، ثم ملاحظة التوقيت -ولا يوجد ما يستدعي أنه متعمد- فليست هذه المرة الأولى التي تتزامن فيه عملية النشر الموثق مع اقتراب جولة أخرى من مسلسل مفاوضات لا جدوى منها وفق المعطيات الآنية.

من جوانب ذلك المفعول.. والجواب المطلوب على كل جانب منها على حدة:

الجانب الأول: إضافة مادة أخرى إلى مواد التنديد الممزوج بمشاعر العجز والألم في عالم افتراضي يكثر فيه من لا يفعلون أو لا يستطيعون فعل شيء حاسم على طريق الثورة.

الجواب المطلوب: الألم كبير، والعجز مرفوض، فلا بد من العمل لتبديل سلوكنا في العالم الافتراضي من أسلوب تنديد لا يجدي وشتيمة خرقاء، مع تجنب الإسهام في نشر ذلك بإهمال من يصنعه إهمالا تاما، إلى أسلوب التركيز على جوهر الثورة وطريق التغيير: كيف نواصل العمل للرفع من كفاءاتنا وقدراتنا وتواصلنا وتشبيك أعمالنا لتتبدل معالم الطريق -عاجلا أو آجلا- من التمزق والتدهور إلى التوحد والإنجاز.

الجانب الثاني: مع كل فصل استعراضي لنشر التعذيب الموثق والنفاق الدولي المتكرر، يزداد تلقائيا نشر أخطر مقولة على مستقبل سورية وشعبها: لا مجال لتحقيق ما تريدون فقدّموا مزيدا من التنازلات، وإن عدتم بذلك إلى عهد التنكيل البطيء دون ضجيج الثورة.

الجواب المطلوب: هذه رسالة لنا جميعا، وعلى وجه التخصيص لكل من يتوجه إلى قاعة مفاوضات أيا كانت وفي أي مكان ومع أي طرف، وينبغي أن نتلاقى على محور واحد: لا يمكن القبول بدخول مفاوضات دون "تنفيذ" شروط مسبقة معروفة، ومنها الإفراج عن كل معتقل ومعتقلة دون استثناء، ولا تفاوض وتهدئة ميدانية رغم تفاوت القوى وقيود خارجية، دون مخطط زمني منطقي وآليات تنفيذية فعالة ومضمونة، للانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة انتقالية، نحو تكوين دولة جديدة لشعب مستقل الإرادة والقرار والوطن.

الجانب الثالث: لا ملاحقة للمجرم الآن.. يعني تشجيعه وأعوانه على مواصلة ارتكاب جرائمه دون أن يخشى من عقاب دنيوي، فحتى التلويح أحيانا بقابلية الوصول به إلى "محكمة الجنايات الدولية" يقترن بأن احتمال ذلك ضعيف موضوعيا وفي غيب المستقبل زمنيا.

الجواب المطلوب: آن الأوان لتكوين "جهاز واحد" مشترك باسم الثورة، من جانب كل من يعمل لها سياسيا وقانونيا، في هيئات وروابط متفرقة، ليحمل الجهاز المشترك مهمتين: أولاهما المتابعة العملية المهنية والقانونية الدولية المنتظمة، والمهمة الثانية حملة سياسية وإعلامية مع التواصل المباشر، لتوظيف ما ينشر من وثاق توظيفا احترافيا، يستهدف بدوره أمرين: أولهما توسيع دائرة من يطالب عالميا بالقصاص العاجل مع التنويه بأن كل تأخير يعني تمكين من يوصف بالإرهابيين من استثارة مزيد من الغضب العام وما يترتب عليه تجاه القوى الدولية تخصيصا، والأمر الثاني تحويل السعي الإجرامي المقصود للترهيب من متابعة الثورة منذ ممارسة الأسلوب المذكور يوم البطش بالطفل الناشئ حمزة الخطيب، ونشر صور تعذيبه وقتله، إلى السعي المباشر للترهيب من انتشار الدعوات المتزايدة إلى قبول أي صيغة من صيغ العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل ٢٠١١م، فقد كان حافلا لعدة عقود بجرائم مماثلة لما نشر عن سجن صيدنايا الآن، وعناوينها معروفة، منها السجن نفسه ومنها سجن تدمر ومدينة حماة وغيرهما.

نبيل شبيب