ثلاث دول خليجية تعلن القطيعة مع دولة خليجية رابعة، عضو في مجلس "التعاون" الخليجي، ويتزامن الإعلان مع يوم الذكرى السنوية الستين لنكبة ١٩٦٧م، فيؤكد أن السلطات في بلادنا لم تتعلم من النتائج الوخيمة المرئية لتلك النكبة، المستمرة إلى يومنا هذا.
وأن تأتي القطيعة بمشاركة السلطة الانقلابية في مصر، وريثة السلطة الاستبدادية التي صنعت كامب ديفيد بكل موبقاتها، مؤشر على تصعيد العداء الانقلابي ضد الثورات الشعبية الهادفة إلى تغيير واقع مهين قائم في بلادنا، صنعه صانعو تلك النكبات في الدرجة الأولى، ففتحوا الأبواب أمام مزيد من الأخطار من جانب مشروع الهيمنة الإيراني، حتى وصلت السهام أيضا إلى قلب منطقة الخليج نفسها ودول الجوار.
إما أن الجهل السياسي قد بلغ مبلغه في التعامل مع الخلافات بين دول تضمها المنظومة العربية الوحيدة الفاعلة في المنطقة، فباتت تشارك في توجيه الضربات الانتحارية لنفسها بنفسها، أو أن الهيمنة الأمريكية على صناعة القرار عبر من يرتبط بها ارتباط التبعية المطلقة، قد استطاعت مجددا تحقيق هدف من أهدافها على طريق نشر الفوضى الهدامة في كل مكان من بلادنا ما بين المحيطات الثلاث، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ولا تستطيع لولا "حبل من الناس" تعتمد عليه عبر المرتكزات المحلية المرتبطة مصيريا بها.
ليست العلاقات الأوروبية خالية من الخلافات في ميادين عديدة، ولكن احترام السلطات الأوروبية لنفسها ولمصالحها الذاتية فضلا عن مصالح شعوبها، يجعلها تصرّ عبر عشرات السنين على حل خلافاتها بعيدا عن أسلوب القطيعة، ناهيك عن الحملات الإعلامية التافهة، والاتهامات الرخيصة المتبادلة، وعندما اختلف بعضها مع الرئيس الأمريكي التائه سياسيا على المستوى الدولي، لم تستقبله -رغم أن دولته هي الحليف الأكبر للأوروبيين منذ جيلين- بتوجيه الضربات لبعضها بعضا، أو الاستجابة لمطالبه بأسلوب "التبعية" المهينة، بل أعلنت الرفض وتابعت التواصل فيما بينها للعثور على أجوبة عملية في الميادين السياسية والمالية والمناخية وسواها.
. . .
إن السقوط في مستنقع القطيعة والعداء في مجلس التعاون الخليجي لا يقضي على طرف دون طرف بل يقضي على الوجود السياسي والاقتصادي والأمني لجميع الأطراف معا، ويجعل جبهة المواجهة لصد الهيمنة "الإيرانية" -وإن أسقط بعض الأطراف خطر الهيمنة الصهيوأمريكية من الحسبان- جبهة مهلهلة لا حول لها ولا قوة، ويضاعف في الوقت نفسه من ضياع الثقة الشعبية بالسلطات، وينشر الاعتقاد بأنها لم "تنضج" بعد، حتى في نطاق الحفاظ على مصالحها "الذاتية"، ومواجهة الخلافات بأسلوب "حضاري" -كما يقال- أو مواجهة الأخطار الخارجية برص الصفوف كما يُفترض بالدول الشقيقة أن تصنع.
وعندما يجنّد من يوصفون بالنخب أنفسهم ليكونوا سلاحا إضافيا في أيدي الطرف الذين ينتمون إليه من السلطات بدلا من الشعوب ووفق مصلحتها المشتركة العليا، فحق قول من يقول: اقرأ على الجميع السلام، واعقد الأمل على مستقبل يصنعه جيل قادم تصنعه المعاناة من النكبات وممّن يواصل صناعة النكبات، وسوف يرث عاجلا لا آجلا بقايا هذا الجيل ممن يسيء استخدام ما يملكه -إلى حين- من إمكانات السيطرة على مواقع صناعة القرار على مستوى السلطات وعلى مستوى الفكر والإعلام والتوجيه والنصح والمشورة على السواء.
نبيل شبيب