من المؤلم أن يصل بنا الحال إلى استشعار ضرورة الشرح والتعليل، عندما يطالب أحدنا أهله بالحفاظ على قيمهم الإسلامية الإنسانية وأحكامه المنصفة، عندما يتخذون موقفا من عمليات إرهابية كالتي تعرض لها أهل باريس يوم ١٣/ ١١/ ٢٠١٥م. بتعبير آخر: إن ممارسات صناعة الكوارث والآلام والمظالم في بلادنا تؤثر علينا في أعماقنا وفي مشاعرنا وفكرنا وممارساتنا، وتشوّه "جوهر" ما يقوم عليه وجودنا الإنساني الإسلامي نفسه.. وما أخطر ذلك على مسيرة "ثورات شعبية تغييرية" نحو بناء حضاري إنساني على أسس العدالة والحرية والكرامة والحقوق والإحسان.
. . .
تكاد تحترق صفحات العالم الافتراضي بمن يشكون من ازدواجية دولية قاتلة، ولا ينبغي لنا أن نسقط في ازدواجية مماثلة.. إن قتل "النفس" بدون حق جريمة لدينا يستحق مرتكبها الإدانة والعقوبة، سيان من القاتل ومن الضحية.
ونعلم كم تعرض أهلنا في أنفسهم وبلادهم إلى جرائم وكيف تغيب استغاثات الملايين دون صدى، وليس لنا -ونحن ضحايا إجرام الآخرين- أن ننسى أن ثورات شعوبنا انطلقت ضد الظلم بجميع أشكاله، والعدوان وجميع مصادره، والإجرام والمجرمين جميعا.. دون استثناء.
ونقدّر دوافع الشماتة لدى من يقول إن المسؤولين عما يجري في بلادنا يذوقون الآن ما معنى قتل المدنيين في بلادهم خارج ساحات القتال، وهذا من قبيل المعاملة بالمثل.. ونرفض الشماتة، ونرفض المعاملة بالمثل.. لأن جهادنا جهاد قيم وحربنا حرب قيم وحياتنا حياة قيم، ولئن غلب عليها الانتقام المحض فنحن نغتال بأيدينا محاور وجودنا ومن ذلك تحريم قطع شجرة أو قتل راهب في صومعته في حالة الحرب وحالة السلم على السواء.
كذلك فبقدر ما يتردد في أوساطنا أن الإرهاب من صنع مخابراتهم وصنع استبداد يدعمونه، يجب أن يتردد أيضا أن علينا الحفاظ على صفة "المتقين" في ثوراتنا حتى يشملنا الوعد الرباني بأن العاقبة للمتقين.
. . .
١- المطلوب عبر هذه الأعمال الإرهابية إعطاء ذرائع إضافية للغزوات الروسية والإيرانية في سورية تخصيصا، وإعطاء ذرائع للمترددين عن المشاركة بقوة في تصفية قضية سورية على حساب شعبها وثورته.. وليس لنا انطلاقا من مصلحة الثورة والشعب والوطن أن نساهم في تفعيل مثل تلك الذرائع، ودعمتوظيفها سلاحا ضد شعوبنا وثوراتها.
٢- المطلوب عبر هذه الأعمال الإرهابية دعم ما سبق أن نشروه حتى الآن من صورة مزيفة مشوهة عن حقيقة الإسلام وما يقرره ويطالب به لصالح الإنسان، جنس الإنسان، وللبشرية كافة، فلا ينبغي أن نساهم سلبا أو إيجابا في تحقيق أهداف الإرهابيين، سواء كانوا منحرفين من أبناء جلدتنا وملتنا، أو كانوا مغررا بهم كما يقال، أو كانوا أدوات تعبث بها استخبارات معادية لبلادنا وللإنسان.
٣- هذه عمليات إرهابية لا يجري تنفيذها إلا عبر جهات تدبر وتخطط، وجهات تدعم وتمول، واعتمادا على قواعد تنتشر بقدر ما يزداد الغضب والألم تجاه ما يتعرض له الضحايا في بلادنا وسواها بسبب الشبكات الأخطبوطية التي تربط العدوان الأجنبي والاستبداد المحلي والتخاذل أو التواطؤ عالميا.. ولهذا ندينها ونطالب المسؤولين في فرنسا والدول الغربية وسائر دول العالم:
– لا تساهموا بسياساتكم وممارساتكم في انحراف مسيرة شبابنا، عبر نشر الغضب والألم، وعبر تشويه تكوين الإنسان وبناء المجتمعات.. وهذا يسري على بلادنا وبلادكم، فالخطر يعم الجميع إذا نشأت أجيال يغلب لديها الاستعداد للانتقام العنيف بدلا من التفاهم والتعايش والإحسان.
. . .
من المنطلق الإسلامي الشامل للمنطلق السياسي والإنساني، نقول بقوة ووضوح:
إننا ندين الإرهاب والعدوان لأننا مسلمون وكفى.. سواء كنا في مرحلة استضعاف في مواجهة أعداء مجرمين، أو بلغنا مرحلة النصر ولا نبلغها دون أن نحافظ على إنسانية الإنسان كما نعرفها في صلب إيماننا وإسلامنا ويجب أن نجسدها في واقع أعمالنا ومواقفنا..
ندين الإرهاب حيثما كان وكيفما ارتكب، مثلما ندين العدوان الأجنبي والعدوان الاستبدادي وكلّ ما يمتهن جنس الإنسان وكافة الأوطان، في بلادنا وخارج بلادنا على السواء..
ندين هذه العمليات الإرهابية جملة وتفصيلا، تدبيرا وتنفيذا، سواء وجد المجرمون من مستبدين محليين ودوليين أو لم يوجدوا..
ندين هذه العمليات وأمثالها ونحن نستشعر الألم مع أهلنا، مدنيين وثائرين، ونستشعر الغضب إزاء مرتكبي الجرائم بحق الشعوب ومن يدعمهم..
ندين الاستبداد والإرهاب وكل ما يستهدف إنسانا بريئا، وهذا من شروط مصداقية جهادنا لإحقاق الحق وإزهاق الباطل بكل أشكاله، وهذا أيضا من أسلحتنا المشروعة لبلوغ النصر، وسنبلغ النصر بعون الله.
نبيل شبيب