ـ
ما الذي بقي من وصف “هيئة الأمم المتحدة” ومن اجتماعاتها السنوية ومنظماتها الفرعية؟
كمنظمة.. هل تساهم أصلا في صناعة القرار الدولي؟
كمنظمة.. هل تؤدي مهمتها بشأن حفظ السلام والأمن الدوليين؟
كمنظمة.. هل يكفي قلق المسؤولين فيها من كوارث كبرى على حساب الإنسان في كل مجال؟
هذا ناهيك عن غياب إنجازات المنظمة المرئية في الواقع، وليس المكتوبة في المواثيق فقط، على صعيد حقوق الإنسان، المعنوية والمادية.
إذا كان وضع البشرية أسوأ حاليا مما كان عليه عند تأسيس الأمم المتحدة عام ١٩٤٥م، فما جدوى استمرار وجودها، بين أقدام صنّاع القرار خارج إطارها، في شبكات هيمنة القوى المادية؟
كان هدف الحفاظ على السلام والأمن الدوليين هو الهدف المحوري “المعلن” لقيام الأمم المتحدة، وقد تحقق جزئيا بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، فلم تتصادم مباشرة رغم مسلسل الأزمات المنضبطة، منذ كوبا حتى أوكرانيا، وبالمقابل لم تنقطع الحروب الكارثية على صعيد غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومنها ما يجري “بالنيابة” لصالح قوى دولية مهيمنة.
النتائج كالأسباب متعددة ومتشابكة ومصدرها هو مواطن الخلل القائم عالميا منذ قيام الأمم المتحدة نفسها، وهو من صنع معادلة الهيمنة والتبعية، الحاضنة لهياكل الاستبداد العالمي والاستبداد المحلي، هذا فضلا عن احتكار التقنيات الحديثة واستخدامها في زيادة ضغوط هوة الثراء والفقر، مع ما صنعته وفاقمت حدّته من المآسي المتوالية، من مجاعات وموجات تشريد واستفحال المرض والجهل، وحتى في نطاق ما أفسدته عجلة المدنية الحديثة من تلوث البيئة الطبيعية والمناخ العالمي، وظهور ما يسمّى “أمراض المدنية الحديثة” وانتشارها في مستوى أوبئة.. جميع ذلك لم يجد علاجا يواجه مخاطره لمصلحة جنس الإنسان، شأنه في ذلك شأن الجرائم الكبرى بحق الإنسانية من تعذيب همجي في السجون والمعتقلات، ثم الحرب الضروس ضد من يخرج على مسارات الهيمنة والصراع المادي، حتى في قطاعات المخدرات والدعارة والاعتداءات على الطفولة والأنوثة والأسرة بأساليب عتيقة ومبتكرة في واقع العالم المعاصر.
منذ عقود يدور الحديث حول “إصلاح” المنظمة الدولية، وبقي معتقلا وراء قضبان هيمنة من يملك أدوات الهيمنة، ومنها صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي وما يسمى حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي.
لم تخترق أطروحات الإصلاح والتطوير جدران شبكة “القرار للأقوى”، أي ما يجسد شرعة الغاب، التي تعتقل أيضا خطوات عالمية معدودة لمواجهة بعض الأخطار، ومثال ذلك المحكمة الجنائية الدولية الحديثة النشأة نسبيا، إذ صُنعت بحيث تطال ذراعها من تسمح القوى المهيمنة بملاحقتهم من المجرمين المتمردين عليها، ولا تطال مجرمين تحميهم داخل حدود بلدانها وخارجها.
ومثال آخر “المجلس العالمي لحقوق الإنسان” الحديث النشأة أيضا، إذ تبقى قراراته حبرا داميا على ورق يتكدس عاما بعد عام، ولا يسبب حتى القلق الحقيقي، بل أصبح أشبه بورقة نفعية أخرى يستخدمها “المستبدون عالميا” لربط “المستبدين محليا” بإرادتهم السياسية “العدوانية”، وليس بإرادة الشعوب التي تتعرض للانتهاكات.
لا يجدي القول إن وجود الأمم المتحدة كمنبر خطابي خير من غيابه، فقد أصبحت هذه المقولة أقرب إلى تضليل محض، وفي أفضل الأحوال أصبحت نوعا من مواساة المظلوم دون رفع الظلم عنه، وهو يتعاظم مع تضخم حجم منظومة دولية ولدت في رحم انتصار الأقوى في الحرب العالمية الثانية وما سبقها.
لم يعد يجدي التفكير في حدود “إصلاحات” غير قابلة للتخطيط فضلا عن التنفيذ، إلا بطرحٍ ينطوي على العمل والتواصل شعبيا من وراء الحدود بين من يريدون العمل فعلا لإعطاء حقوق الإنسان وكرامة الإنسان وقيم العدالة والأمن والحرية مضامين تجد التطبيق اليومي على أرض الواقع دون تمييز بين إنسان وإنسان، أو شعب وشعب، أو بلد وبلد، هذا إذا صدقت النوايا وتلاقت الأطراف الأضعف حاليا على صيغة أولية تتطلع نحو شبكات تواصل وتعاون جديدة، من أجل تحقيق العدالة للإنسان الفرد وللجماعات البشرية.
نبيل شبيب