ــــــــــ
(ينشر نص هذه الرسالة في مداد القلم بعد أن تم توجيهها إلى فضائية الجزيرة وشركة نون المنتجة، ولم يصل رد فعل إلى كاتب هذه السطور الذي كانت له مشاركة حوارية في الفيلم، ويرجى ممن يطلع عليها أن يعممها عبر الوسائل المناسبة، فهي من قبيل توثيق الحقائق من وراء ما تصنعه السياسات الإعلامية، وتأكيد كلمات الوفاء للشهيدة وزوجها وولديهما وسائر ذويها إلى جانب ما يعصف بنا من الحزن والألم بسبب ما نعيشه يوميا مع معظم أهل بلادنا من المآسي في سورية وفلسطين وكثير من بلدان العرب والمسلمين)
السيد د. مصطفى سواق المدير العام بالوكالة لشبكة الجزيرة / الدوحة
السيدان محمد عمر ومحمد سلامه – شركة نون لإنتاج الأفلام / لندن
بعد أطيب السلام
مع تقدير جهودكم المبذولة في الإنتاج والبث التليفزيوني للفيلم الاستقصائي بعنوان “بنان الطنطاوي” رحمها الله، وانطلاقا مما ورد في الفيلم بوصفي صديقا مقربا من عائلة عصام العطار، أطلب نشر هذه الرسالة بشكل مناسب في شبكة الجزيرة وعلى الموقع الشبكي لشركة نون، وفيها ملاحظات موجزة غاية الإيجاز حول أخطاء بعضها لا ينتظر وقوعه سهوا في عمل يقوم عليه فريق من الخبراء في الإنتاج والإعلام.
١- بمعايير المهنية الإعلامية كان يفترض أن تشيروا إلى أن الأستاذ عصام العطار اعتذر أكثر من مرة عن المشاركة المباشرة وألحّ أن التوقيت الحالي لإنتاج الفيلم وبثه ليس مناسبا، ومن ذلك قوله لكم كتابة (ما يملأ قلبي وفكري وحياتي الآن ويملِكُ عليَّ جهدي ووقتي هو مأساةُ أهلِنا وأمَّتِنا وبلادِنا الرَّهيبَة الرّاهِنَة، وما يُعانيهِ أهلُنا وأمَّتُنا وبلادُنا مِنَ الشِدَّةِ الشَّديدَةِ والبَلاءِ العَظيم، ويُهَدِّدُ وجودَنا نفسَهُ كأمَّةٍ ووطن؛ وأنَّ هذا الوقت ليسَ أنسَبَ الأوقات لِصَرْفِ النَّظَرِ والجهد مِنَ الحاضِرِ إلى الماضي، ونَكْءِ تلك الجراحات. رَحِمَ اللهُ الشَّهيدة الغالية بنان لو كانت مَعَنا في قيدِ الحياة لَما اختارَتْ غيرَ ما نختارُهُ الآن).
٢- في مقالة شبكة الجزيرة للتعريف بالبرنامج يوم بثه وردت إساءة بالغة تتضمن مخالفة الواقع التاريخي، وهي الزعم أن عصام العطار (هرب من بطش النظام). هذا غير صحيح، كما لا يصح أن ينسب هذا الزعم إلى مقربين من العائلة، وقد أطلقتم هذا الوصف في الفيلم حصريا على كاتب هذه السطور وعلى الأخ الدكتور عدنان وحود، ولم يذكرا شيئا من ذلك، بل يعلم سائر من يعرف عصام العطار معرفة مباشرة حرصه الشديد على أداء رسالته داخل بلده مهما كان شأن النظام المتسلط، وتذكر مصادر متواترة أنه غادر سورية إلى الحج ولمهام أخرى ثم توجه للعودة إلى بلده فمنع من عبور الحدود، وتكرر ذلك مرارا في محاولات تالية.
٣- تؤكد الاستشهادات في الفيلم بوضوح مسؤولية “النظام السوري” مسؤولية مباشرة عن عملية الاغتيال إعدادا وتنفيذا، وقد ورد في حديث مع كاتب هذه السطور أثناء الإنتاج ذكر سلسلة (اغتيال سياسي) للبث وبدلا من ذلك كان البث في سلسلة (نهايات غامضة) وهذا اختيار نستغربه إذ يوحي للمشاهد بالتشكيك في تلك المسؤولية، التي لم يكن مناسبا تمييعها أيضا من خلال التركيز على أن التنفيذ كان عبر منظمة فلسطينية والاستشهاد بمتحدث مجهول الهوية، وفي ذلك التركيز ما يستدعي التساؤل عن السبب.. من جهة على خلفية المرحلة الراهنة من العمل دوليا وإقليميا لتصفية قضية فلسطين، ومن جهة أخرى لغياب الإشارة بهذا الصدد إلى حرص عصام العطار الدائم على علاقات جيدة مع سائر من يعمل بإخلاص للقضية من منظمات فلسطينية وسواها، وحرصه في سورية وخارجها على مواصلة العمل لقضية فلسطين وسواها من قضايا العرب والمسلمين والإنسان.
٤- إن كاتب هذه السطور إذ يقدّر دور الإخوان المسلمين فكريا وتاريخيا من فوق كل اختلاف في الرأي، وإذ يتابع الحملة الشرسة ضد الإخوان المسلمين في الوقت الحاضر، وإذ يعلم أن في عمل عصام العطار ومكانته ما يتجاوز حدود أي تنظيم ويشمل جنس الإنسان، يتساءل عن سبب وضع الفيلم لعملية اغتيال بنان الطنطاوي وهي الأولى من نوعها في بلادنا وتاريخنا، وكأنها مجرد حلقة من صراع “سلطة مستبدة مع معارضين من الإخوان”، بل القول المخالف للحقيقة إنها قيادية في الجماعة، ولم تكن كذلك إطلاقا، كما أنها لم تكن تقوم خلال أحداث الثمانينات بدور “الوساطة” بين “فرقاء” الإخوان في سورية، إنما كانت تتلقى المكالمات الهاتفية في المنزل لا سيما في غياب زوجها (قبل انتشار الجوالات) وهذا كأي زوجة، مع التأكيد أنها كانت زوجة متميزة، وأما متميزة، وداعية متميزة، وكاتبة متميزة، وشهيدة اغتيال سياسي استهدفها مثلما كان يستهدف زوجها، من جانب نظام ارتكب من جرائم الاغتيالات كما ارتكب من جرائم أخرى بحق شعب سورية وبحق جنس الإنسان، ما يصنفه في درك عميق مع أقرانه في العصر الحديث.
ولكم أطيب التحيات والتقدير
نبيل شبيب