تناهى إليّ أنه تمكن من المشاركة في الندوة الشهرية قبل أسبوع في المركز الإسلامي (مسجد بلال) في آخن.. وتلك إشارة إلى أن أستاذي الجليل قد شعر -وهو يشكو من أثقال تسعين عاما من عمره- ولو بالقليل من تحسن وضعه الصحي فلم يترك الفرصة تمضي دون الحديث المباشر إلى رواد المركز بعد أن أصبح خطابه مركزا على وسائل التواصل "العتيقة" كالهاتف، و"الحديثة" كالشبكة العنكبوتية.. علاوة على أنه لا يردّ زائرا يقصده، بمن في ذلك من يقصر في زيارته كما هو حالي.. فزيارتي هذه مساء ٢/١٢ /٢٠١٦م أتت بعد انقطاع أسابيع، ولا يخفف الحديث الهاتفي من وطأته كثيرا.
. . .
ذكرت له "فلانا" وانتقادات لدي بصدد نوعية عطائه وقد وجدت أن سواي ينتقده بشأنها أيضا، فطالبني -بأسلوبه المتميز وليس بالكلمات التي أسجلها هنا عنه- بأن أراعي عدة أمور، أولها أنه أصبح منذ فترة وجيزة نسبيا في مجتمع غير المجتمع الذي نشأ فيه، وما زال يتعرف على ما يصلح وما قد لا يصلح مما يقدم، والأمر الثاني أنه حريص على "تطوير نفسه" وينصت لمن يحدثه ناصحا أو ناقدا، فالأفضل هو الحديث المباشر معه بالأسلوب المناسب حول ما أحسبه مفيدا أو ضروريا، والأمر الثالث -وهو الأهم وإن تلطّف في قوله- أننا أصبحنا لا نصبر كثيرا على بعضنا بعضا، ويطالب أحدنا الآخر بأكثر مما يستطيع أن يعطيه فنغفل عن إيجابيات ما يعطيه وإن كان قليلا.
أعجب -بمعنى الإعجاب- كثيرا، كيف يتمكن أستاذي الجليل في كل حديث من استخلاص الجانب الإيجابي في التواصل ولفت النظر إلى ما يمكن أن يصنعه المرء بنفسه بدلا من أن ينتظر أن يصنع الآخر شيئا أو يطالبه به.
. . .
وما دار حديث من هذا القبيل إلا وجعل "التواصل.." في محوره، فهو عنده -فيما أحسب- المفتاح لما سواه من واجبات جماعية، وفي كل مرة أسمع جديدا يضيفه إلى ما يعنيه من التواصل.. حتى أصبحت الكلمة "نهجا" وليس مجرد كلمة تقال أو خطوة عابرة، فالتواصل يتحقق كما ينبغي –كما قال أمس- عندما يوطن المشارك فيه على الأخذ والعطاء، وهذا فيما أرى ما يعني ثقافة الوصول إلى "الصواب" جماعيا، فلا أحد يملك حق احتكار الصواب لنفسه. وقد تحدثت إليه عن غرفة حوارية فيها عدد كبير نسبيا ممن يشغلون مواقع ميدانية وسياسية، إنما لا يكاد يُطرح فيها ما يمكن اعتباره خطوات محددة أو أفكار عملية أو مبادرات واقعية للخروج من الوضع الراهن للأزمة الراهنة في مسار الثورة في سورية، وكأن الجميع –كما صرح أحدهم على شاشة التلفزة- ينتظرون أن ينقشع الضباب ويظهر لهم موقف "المعلم الأمريكي" بعد الانتخابات.. ولم أحصل على تعليق أو إجابة، وتلك عندي إشارة على وجود ما لا يحب أستاذي الجليل قوله بصورة مباشرة.
وما أحوجنا في التواصل عندما نرى "نقصا أو عيبا" أن نكف ألسنتنا وأقلامنا عن الجدل بشأنه، فمن كان هدفه أن يزول النقص أو العيب، لا يسلك إلى ذلك طريق جدل يضاعف المشكلة بدلا من علاجها.
. . .
بدلا من ذلك مضى الحديث بنا إلى حيث أحب.. إلى الجيل الجديد وما ينتظر منه، وقد طرحت السؤال عما يمكن صنعه الآن لقضية سورية.. وأشار إشارة سريعة إلى المطلوب بإلحاح بسبب الأوضاع الإنسانية وما يرتبط بها، ليؤكد أن ما ينبغي صنعه أيضا للمستقبل يتمثل في إعداد الجيل الجديد نفسه لمهام جليلة كبيرة، وطالما سمعت منه أننا نحتاج إلى "المتفوقين" في كل ميدان ومجال، فكرا وعلما وعملا، إنما استخدم أمس وصف "التألق" مكان "التفوق"، وأعلم حرصه على دقة التعبير عما يريد، فكأنما يرى حاجتنا إلى من يتفوق ويتألّق، بحيث يكون عمليا لا نظريا في موقع الريادة، فيرتفع مستوى عطائه تفوقا ويرتفع مستوى تأثيره تألّقا..
وتلك -لعمري- من الخصائص التي يمكن لجيل النهوض الحضاري أن يسعى إليها وأن يصل إليها، وعندها يستطيع من بلغ ما بلغ من التقدم في عمره أن يقول بحق لجيل الثورة والتغيير وهو ماضٍ على طريق الثورة والتغيير: لقد هرمنا ونحن ننتظر هذه اللحظة التاريخية.
نبيل شبيب