دوامة الهيمنة الإجرامية

لا مخرج من الدوامة عبر التبعية لمن يصنعها

خواطر

في مقالة في عدد مجلة الرائد الصادر في شهر آذار ١٩٨٥م يناقش أستاذي عصام العطار حفظه الله، بعض ما سمعه آنذاك من جليس بجانبه، في أحد الاجتماعات في بلد عربي، إذ قال:

(المعلم الكبير في بلادنا وعصرنا هو الولايات المتحدة الأمريكية فهي التي تضع المناهج وترسم السياسة وتراقب التنفيذ وتهيمن على مختلف الأمور… إن أكثر سياسيّ بلادك الكبار من حاكمين ومعارضين يرون هذا الرأي ويتحركون على أساسه ولا يسمحون لأنفسهم بالخروج “عمليا” عليه). وفي مناقشة ذلك تفصيل يجده من يحب في المقالة المشار إليها.

وقد مضى على نشرها زهاء أربعة عقود أي ما يعادل أكثر من حياة جيل كامل شهد خلالها ما تعنيه الهيمنة الأمريكية من مسلسلات متتابعة من المآسي القاتلة في أيام السلم والحرب، وفي حالات التحالف المزعوم والحصار العدواني، ناهيك عن مآسي التخلف والتجزئة والهوان حتى في حضيض الامتناع عن تلبية الاحتياجات الإنسانية -دون موافقة ذلك المعلم الكبير- للأهل وهم يواجهون الموت أشكالا وألوانا، في عجلة وقائع حرب الإبادة الجماعية ضد شعب فلسطين، الصامد رغم نزيفه ليلا ونهارا.

هي حرب الإبادة الأمريكية سلاحا وسياسة ومالا وإدارة وتنفيذا وهي حرب الإبادة التي يحمل نصيبه من المسؤولية عنها كل من لا يزال يقبل بالهيمنة الأمريكية ويتردد عن صنع ما يجب صنعه لوضع حد لها.

* * *

نعلم أن واقع الهيمنة واقع رهيب، يكاد يكتم أنفاس الأسرة البشرية منذ عقود عديدة، وأن التحرك لكسر قيود تلك الهيمنة على البلدان الأصغر والشعوب المنكوبة فيها تحرك بالغ الصعوبة وتواجهه عقبات كبرى، ولكن لن نجد سوى ذلك مخرجا من الدوامة.

حتى متى يستمرئ صناع القرار في نطاق السلطات في بلادنا ألا يكون لهم وجود كريم، ولو على هامش قرارات تصنع مصائرهم هم أنفسُهم، وليس مصائر البلدان والشعوب التي يتسلطون عليها فحسب؟

حتى متى يجدون على تبعيتهم المطلقة للقوى الدولية أعوانا من حملة الألقاب البراقة في العلم والفكر والأدب والفن، ناهيك عن عوالم السياسة والاقتصاد والاجتماع والمال والأمن؟

كل حديث عن ثورة، أو تغيير، أو إصلاح، أو دعوة، أو تربية، أو تنظيم، أو تعاون، أو حتى إبداع أدبي أو فني، لا ينطوي على هدف العمل للتحرر، مصيره في أقل الأحوال سوءا، أن يكون مجرد بريق لمعان محدود، ثم الاضمحلال في أوحال أوضاع رهيبة انتحارية قاتلة، ولن يزول شيء من تلقاء نفسه، ولا دون السعي إلى إزالته سعيا هادفا مع كل ما يتطلبه ذلك من معرفة ووعي، ومن رؤية وتخطيط، ومن إدارة قويمة وإمكانات ذاتية وما يصنعه الإبداع المتجدد، والتعاون والصبر المتواصل، والعزيمة والبذل والتضحيات الجسيمة.

لن يوجد مخرج من هذه الدوامة التي تصنع الموت والدمار والخراب في بلادنا، إذا استمر السعي للتحرر مسجونا تحت عتبات هذه القوة الدولية أو تلك وهي التي تصنع تلك الدوامة وتزيدها اشتعالا يوما بعد يوم وعاما بعد عام. إن التحدي الأكبر هو الخروج من دوامة التبعية والهيمنة، رغم هوان الأتباع المحليين الصغار ورغم عربدة المهيمنين دوليا.

وأستودعكم الله الذي لا تضيع لديه الودائع ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

 

التحررالتغييرالسيادةالهيمنة
Comments (0)
Add Comment