خواطر
غالب ما يقال في ازدياد اشتعال فتيل الصراع الدامي مجددا في السودان أن قوى ممارسة هذا الصراع ومن وراءهم يستغلون الانشغال بحرب الإبادة الجارية في ساحة قضية فلسطين.
ليس هذا صحيحا على وجه التعميم، فالسودان مستهدف بحد ذاته لما يعنيه من مصادر القوة عربيا وإفريقيا وإسلاميا، كما أنه مستهدف بمعركة الدماء المنسية الحالية كيلا يمثل مصدر قوة مباشرة أو مساندة لسواها في التعامل مع قضية فلسطين ومسار تداعيات طوفان الأقصى فيها.
ولا تختلف معاملة الرؤى الأمريكية والغربية مع السودان إلا شكليا عنها مع مصر، وقد شغلت أيضا بالانهيارات المالية والاقتصادية بالتزامن مع طوفان الأقصى، وشغل الخليج بخطر صراع الهيمنة الإقليمية مع إيران وشغلت تركيا بالضغوط المتجددة نقديا واقتصاديا وحتى سياسيا وأمنيا لا سيما على الحدود الجنوبية.
السودان تعرض بعد اندلاع ثورته الشعبية للانحراف عبر تدخل عسكري في مسار الثورة وصراع محلي وإقليمي يقامر بدماء أهل السودان.
مثلما تعرضت مصر لانقلاب عسكري وجه طعنة غادرة لنتائج الانتخابات الشعبية الأولى بعد انطلاق ثورة شعبية حضارية تاريخية.
مثلما تعرضت سورية لحرب إبادة استبدادية تتحرك من ورائها أصابع تمزيق البلاد عبر حروب العدوان الخارجي والاحتلال الأجنبي.
مثلما تعرضت تونس للقرصنة السياسية للقضاء على روح ثورة جيل المستقبل على الاستبداد والنفوذ الأجنبي المسيطر عليها منذ الاستقلال.
مثلما تعرضت ليبيا إلى مؤامرة تمزيق النسيج الشعبي الثوري، وتعرضت الجزائر إلى التضليل السياسي والعسكري، وتعرض العراق لجولة جديدة من الإرهاب الرسمي الأجنبي المتعدد الأطراف والألوان، وتعرض لبنان لجولة أخرى من العبث الطائفي المحلي والإقليمي، وتعرض الأردن لجعله ساحة صراع مستقبلي ضمن المشروع الغربي الصهيوني، وتعرضت دول الخليج لموجة جديدة من فتن الصراع البيني والإقليمي ناهيك عن فتن البطر المالي وتوظيفه في شغل أهل الخليج عن القضايا المصيرية.
* * *
هذه ليست قضايا منفصلة عن بعضها بعضا ما بين السودان وفلسطين أو ما بين العدوان والنهوض، أو بين العرب والمسلمين، إنما هي ميادين متعددة لقضية واحدة كبرى، تحمل عنوان نشر الفوضى الهدامة التي سبق الإعلان عنها بعنوان فوضى خلاقة، لأنها تستهدف الجميع وتستهدف السيطرة على الجميع وتستهدف الحيلولة دون خروج الجميع من قفص التبعية الأجنبية والضياع المحلي والصراعات الإقليمية، وجميع ذلك على حساب دماء الشعوب، وهى دماء غالية متدفقة، منسية وغير منسية.
وأستودعكم الله العزيز الجبار، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب