تحليل
ينبغي تقدير جانب إيجابي يلفت النظر بالنسبة إلى تطورات محتملة في الممارسات السياسية على صعيد الوجود الإسلامي في ألمانيا، وذلك فيما ورد في الصفحة ١٢٠ من نص عقد الائتلاف الحكومي الجديد بين أحزاب الديمقراطيين الاشتراكيين، والخضر، والديمقراطيين الأحرار؛ فلأول مرة يطرح موضوع ممارسة العداء للوجود الإسلامي، دون ذكر ذلك مباشرة، إنما مع الاكتفاء بالحديث عن تنامي التهديدات / المخاطر ضد المسلمين وما يتبع لهم من منشآت، مع تأكيد نية العمل للتصدي لتلك التهديدات / المخاطر؛ والواقع أنها تتجاوز ما نعبر عنه بكلمات الرهاب من الإسلام / الخوف المرضي من الإسلام / إسلاموفوبيا، وتبلغ درجة ممارسة العداء المباشر ضد الإسلام والمسلمين.
بين النصوص وتطبيقها
لكن التصدي الموعود لا يقترن بذكر آليات أو وسائل محددة فيمكن أن يبقى النص دون نتيجة عملية.
كذلك في موضع آخر (صفحة ١٠٨) لا يُذكر تعبير العداء للإسلام أو التطرف ضد المسلمين أو الإسلاموفوبيا عندما يعدد النص الائتلافي مختلف أشكال التطرف المقرر مكافحتها، بما في ذلك ما يوصف بالتطرف الإسلامي، وقد انتشر سياسيا وإعلاميا التعبير عنه بكلمة Islamismus وكانت تُربط بممارسة نشاط إسلامي يتضمن الجانب السياسي، ولكن لم تعد تكتفي بالتعبير الأصلي في ترجمتها الأولى عن كلمة العمل الحركي الإسلامي مع ما يعنيه ذلك من التزام الطرق والوسائل الفكرية والدعوية والثقافية وما يشابهها.
بالمجموع يذكر العقد الائتلافي التعامل مع الوجود الإسلامي في ألمانيا، بشكل مباشر في ثلاثة مواضع (أقل من ٢٠ سطرا) من النص الذي يضم ١٧٨ صفحة، دون تفاصيل كافية لبيان ما يمكن الالتزام به لاحقا أو ما يرجح أن يغيب عند طرح التفاصيل وظهور خلافات حزبية وسياسية ما. وهذا ما يسري على ما يجد تفصيلا أكبر ويمس الوجود الإسلامي في ألمانيا أيضا، ولكن بصورة غير مباشرة في نطاق الحديث عن سياسات اللجوء والهجرة والتجنيس.
المسلم النموذجي!
ما هي الصورة المطلوبة للوجود الإسلامي في ألمانيا لتجد الدعم الرسمي لها؟
إن مضمون العقد يعبر عادة عن حلول وسطية وما يشبه الصفقات بين الأحزاب المعنية، وليس هذا سهلا بالنسبة إلى الائتلاف الذي أسفرت عنه انتخابات ٢٠٢١م، والذي يتزعمه المستشار الجديد، أولاف شولس، من الديمقراطيين الاشتراكيين، وكان وزيرا للمالية في الائتلاف السابق مع اتحاد الحزبين المسيحيين في حكومة المستشارة السابقة أنجلا ميركل، وهذه المرة الأولى التي يشارك فيها حزبان يعتبران خصمين لدودين منذ فترة طويلة: الخضر والأحرار.
والخلاصة بالنسبة إلى التعامل مع الوجود الإسلامي في ألمانيا، هو أن الخط العام للنصوص المشار إليها يعود وفق غالبية محتواها ومقاصدها، إلى ما كان في البرنامج الانتخابي للخضر، وحزب الخضر أقل انفتاحا على الأديان عموما وعلى المسلمين ومنظماتهم التقليدية تخصيصا، لا سيما في قضايا من مستوى نشأة كليات جامعية للإسلام، وتربية الأطفال إسلاميا، وإعداد الأئمة والخطباء.
إن النموذج المطلوب للوجود الإسلامي في الرؤية الحزبية للخضر، وبالتالي على مستوى الائتلاف غالبا، هو ما يجسده جيم أوزديمير / Cem Özdemir، من مواليد ألمانيا سنة ١٩٦٥م من أسرة شركسية-تركية، وهو في الحزب منذ ١٩٨١م، مع تقديمه طلب الجنسية الألمانية آنذاك، ووصل إلى رئاسة الحزب سنة ٢٠٠٨م وبقي فيها مدة عشرة أعوام، وسيتولى وزارة الزراعة في الحكومة الائتلافية الجديدة، مع ملاحظة أنه كان يعمل في مجالات أخرى مثل التعليم والصحافة.
يعتبر أوزديمير من أشد الناقدين للسياسات التركية، لا سيما مع غلبة التوجه الإسلامي عليها في مجالات عديدة في عهد حزب العدالة والتنمية ، وقد عبر عن مواقفه تجاه تركيا مرارا، بتصريحات رسمية، وحتى بالمظاهرات، كما نشر سنة ٢٠٠٨م كتابا بعنوان: تركيا السياسة والدين والثقافة، وله كتاب آخر بعنوان Ich bin Inlände وتعني العبارة من الناحية القانونية والسياسية ما تعنيه كلمة مقيم في البلدان العربية الخليجية (أي المواطن عموما) ويشير بذلك إلى ولادته في ألمانيا ونشأته الاندماجية في مجتمعها، بغض النظر عن أصل أسرته.
حزب الخضر أقرب ما يكون إلى تقبل المسلمين ودعمهم بقدر ما يكون أحدهم في ممارساته السياسية والاجتماعية والثقافية معبرا عن المواطن الألماني ثقافيا واجتماعيا وليس عن مواطن مسلم في المجتمع الألماني.
هذا في مقدمة ما يبين المقصود بما ورد في العقد الائتلافي الجديد، من دعم للمنظمات الإسلامية للاعتراف بها، ومشاركتها في أمور معينة مثل صياغة مناهج التعليم، فجميع ذلك مرتبط بالعبارة الواردة في صفحة ١١٢ من نص العقد الائتلافي:
Neuere, progressive und in Deutschland beheimatete islamische Gemeinschaften binden wir in diesen Prozess ein.
وترجمتها: التجمعات الإسلامية المستوطنة في ألمانيا، الجديدة، والتقدمية، سنربطها في مسار هذه العملية.
هذه عبارة تستبعد تلقائيا التعامل مع المنظمات الإسلامية التقليدية الناشطة في ألمانيا منذ عقود (ولا ينفي ذلك ارتكابها أخطاء ما) وتستبعد تخصيصا تلك التي لها ارتباطات خارجية مثل ديتيب وسواها من المنظمات الكبرى للأتراك وذوي الأصل التركي من المسلمين في ألمانيا.
الإسلام التقدمي!
يضاف إلى ما سبق استخدام تعبير تقدمية الفضفاض، فليس لهذه الكلمة تعريف قانوني وهي قابلة للتأويل، كما أنها غير معتادة في نص من مستوى عقد ائتلافي سياسي.
وانطلاقا من السياسات السابقة يمكن القول إن المقصود بهذا الوصف هو ما يندرج تحت عنوان تطوير المضامين الإسلامية وفق الرؤى الغالبة في المجتمع الألماني، ومن ذلك ما يسري على العلاقات بين الجنسين، والعلاقات الاجتماعية، والثقافة الحداثية، وتربية الأطفال، وغير ذلك مما يمكن أن يوصل إلى تفريغ الإسلام نفسه من محتواه، مع صهر تكوين شخصية الفرد المسلم باتجاه الذوبان في المجتمع حوله، وهنا تكتسب كلمة من قبيل كلمة أوزديمير Ich bin Inländer / أنا مقيم، منزلة نهج سياسي وتربيوي لا يستهان بما يعنيه إذا أصبح جزءا من سياسة حكومية ائتلافية معتمدة.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب
ـــــــــــــــــ
للمزيد عن العقد الائتلافي الجديد يمكن للناطقين باللغة الألمانية الرجوع إلى:
Fabian Goldmann, Islamische Zeitung, Der Koalitionsvertrag pendelt zwischen linker Erneuerung und rechter Mief, 29.11.2021: https://bit.ly/3xRfuvR
Deutsch-Türkisches Journal, Was im Koalitionsvertrag über den Islam und die Türkei steht, 26.11.2021: https://bit.ly/3pqZlcA