دردشة – ماذا أعمل؟

قال بلهجة يشوبها الاستفزاز بعد نقاش هادئ:

– وماذا أعمل؟

قلت على الفور:

– لا أدري!

وبادرني بأمواج متلاطمة من العبارات، كان منها:

– أنت الذي يقولون عنك أستاذ، ومفكر، وكاتب، و.. و.. تقول "لا أدري" عند سؤالك سؤالا عمليا، وكنت تحدثني قبل قليل عن وجوب العمل، والارتقاء إلى مستوى الثورة، والصمود، والإعداد للتغيير، وتقول إن الطريق طويل، وإن جيل الشباب قادر على سلوكه والإبداع فيه، وما زلتُ في طور الشباب وأنت بلغت سنّ "الحكمة"، ولكن حديثك نظريّ تنظيري، يخلو من ذكر آليات العمل، وآليات توحيد الصفوف، وآليات التغيير.. إن قلت لي يجب أن أعمل، فقل لي كيف أعمل، وإلا لا فائدة من الكلام!

وانتظرت لحظات حتى هدأت نفسه قبل أن أسأله:

– إذا طلبت منك يا أخي الكريم أن تنزل الميدان وتنضم إلى الثوار المسلحين، هل تفعل؟

قال:

– كيف أفعل وأنا لا أحسن القتال، ولا أجد فصيلا أطمئنّ  إليه!

قلت:

– فإن طلبت منك أن تتواصل مع سواك، وتعقد مؤتمرا يشارك فيه بعض ذوي التأثير عساهم يساهمون في توحيد الصفوف، هل تفعل؟

قال:

– أنى لي ذلك، وهم لا يستجيبون وأنا لا أملك ما يكفي لتغطية نفقات مؤتمر صغير ولا كبير!

قلت:

– فإن طلبت إليك أن تنضم لجمعية إغاثية وتتحرك مع من يتحرك في مناطق المشردين والمحرومين فتساهم في تخفيف معاناتهم، هل تستجيب؟

قال:

– ما صنعت ذلك من قبل ولا أحسبني الشخص المناسب لأفعل!

قلت:

– فليكن جميع ذلك أعذارا مقبولة، وأحسبك ستذكر المزيد وقد يكون مقبولا أيضا، إن طلبت منك العمل في الإعلام، أو في مركز طبي، أو في هيئة تدريب وتأهيل، أو في سلك التعليم..

نظر إليّ نظرة متسائلة وبقي صامتا.. فتابعت:
– اسمح لي أن أضيف ملاحظة.. أقدّر أنك سبق ووجدت الجواب على "ماذا أعمل" عندما اخترت تخصصك الجامعي لتناله فعلا، وبحثت عن مكان عمل مناسب لتزاول مهنتك.. وكذلك في كثير من أمور حياتك الشخصية.. أليس كذلك؟

قال:

– حسنا فما الذي تقصده من الطلبات التي ذكرتها إذن، وأنت تعلم أنني لا أستطيع تلبيتها؟

قلت:

– أريد أن أذكّرك بأمر واحد: حتى وإن عرفك كثير من الناس، لا يستطيع أحد سواك أن يعلم بصورة سليمة أو كاملة ما تستطيع أنت أداءه في الميدان العام المشترك للثورة أو التغيير، وهل أنت مستعد له فعلا، وما مدى قدرتك على المشاركة في عمل جماعي ومؤسساتي، أما من يكتب أو يخطب ويحث الناس على العمل، ويتابعه عدد كبير ممّن تتفاوت قدراتهم وظروفهم، فلا يستطيع أن يطلب عملا بعينه أو آلية عمل بما يناسب الجميع في وقت واحد، ولهذا يبقى في إطار التعميم، أو كما قلت "التنظير"، وإن ذكر الاحتياجات الأساسية والواجبات الملحّة بعناوينها الكبرى..

اختيار عمل بعينه، لممارسته والتفوق فيه، وإبداع الوسائل لذلك، والبحث عمّن يفيد التعاون معه والتكامل مع عطائه، هو حصيلة التفكير الذاتي والجهد الذاتي، فكل فرد يعرف نفسه وطاقاته، وإن أراد وعزم فسيساهم بسدّ  ثغرة من الثغرات، فاحتياجاتنا اليوم شاملة لكل ميدان وتخصص، وتبقى الإرادة الذاتية هي المنطلق ليعمل فعلا. ثم إن جيلك من الشباب يا أخي الكريم هو الأقدر من الجيل الذي أنتمي إليه على الإبداع والتخطيط وتحديد آليات العمل وتجربتها وتطويرها، فاختر لنفسك ما تريد وتستطيع وتتقن، ولا تسلني وأمثالي: ماذا أعمل!

نبيل شبيب