دردشة – كورونا وشكر النعمة

ــــــــــ

كنت أتبادل الحديث معه عبر الشبكة فاللقاءات المباشرة المعتادة أصبحت شبه منعدمة في عالم تسيطر “كورونا” عليه حيث نعيش في ألمانيا، وقال في ثنايا الحديث:
– أتذكر كم كنا نسمع أو تقرأ عما نتمتع به من الرفاهية، وها نحن الآن في أوروبا التي أصبحت توصف بالبؤرة الرئيسية لوباء كورونا!

وشعرت بحاجة إلى التغطية على بعض ما يعتلج في نفسي بكلمات الموعظة الحسنة فقلت:
– الحمد لله على السراء والضراء، يبدو أننا كنا مقصرين في شكر الله على ما نحن فيه من نعمة.

ونظر إلى مدهوشا قال:
– كأن المحنة علمتك الموعظة، واعتدت منك غير ذلك، ربما كنا مقصرين في شكر النعمة، ولكن ما علاقة ذلك بالحديث عن نظرة الآخرين من بلادنا إلينا، وهل ستتبدل!

قلت مناورا:
– هذا ما أقصده وليس شكر النعمة بأداء الفرائض والنوافل من العبادات، فحساب كل إنسان فرد على ربه وليس على بعضنا تجاه بعضنا الآخر.

قال:
– لم أعد أفهم شيئا فأفصح!

وأفصحت قليلا بالقول:
– التقصير الحقيقي في شكر النعمة، ونحن نعيش قبل هذا الوباء حياتنا المعتادة ونتمتع ببعض الرفاهية أو كثير منها، هو تقصيرنا في أداء حق سوانا علينا، ممن يعانون ما لا نعانيه، ويفتقدون ما لا نفتقد، ويحتاجون إلى بعض ما لدينا ونمسكه عنهم.

قال:
– أفهم مقصدك، ولكن ها نحن تحت القيود، فهل هذا عقاب لنا؟

تابعت الكلام مسترسلا دون أن أترك له مجالا للمقاطعة:
– عن أي قيود تتحدث، حتى في أحوالنا هذه، نحن نتكلم مع بعضنا ونرى بعضنا، ويوجد من لا يجد أداة للحديث عن بعد ولا يجد من يتحدث معهم أصلا بعد أن فقد أقرب الناس إليه من أهله.. نحن نخرج وندخل ونتجنب التجمعات، وغيرنا لا مأوى له أصلا، فكيف يخرج وإلى أين يعود.. نحن نعيش ضمن حد أقصى أو أدنى من الحماية والوقاية والعلاج والرعاية عند الحاجة، وهذا رغم الثغرات الكبرى التي انفجرت في دول راقية متقدمة تضعضعت شبكاتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية، أما من نتحدث عنهم وقصّرنا في حقهم من قبل ولا نزال مقصرين الآن، فلا يعرفون مثل تلك الشبكات أصلا، ولا يجدون في خيامهم أو في العراء من الوقاية والعلاج شيئا يستحق الذكر إلا القليل النادر.

ولا نستهين بالموعظة، ولكن إذا أردت موعظة حقيقية تناسب أوضاعنا مع جائحة وباء كورونا، فاسمح لي بشيء مما تسميه فلسفة، للقول إن تقصيرنا الأكبر كامن في اختزال نصوص شرعية نردد ذكرها ثم نسجن المطلوب منها كلاما وتطبيقا في أضيق نطاق لغوي أو زماني أو مكاني، كما نفعل مثلا عندما نفكر بلقمة الطعام فحسب، أو نفكر بحدود زقاق يضمنا مع جيراننا، بدلا من التفكير بكل متطلبات الحياة الكريمة، وبكل جار نستطيع التواصل معه والوصول إليه على امتداد عالم أصبح قرية صغيرة، وأعني ذلك حديثا نبويا تعرفه -كمثال على سواه- ولطالما سمعناه ورددناه: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن.. من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم.

نبيل شبيب

الشؤون الصحيةالموعظةدردشاتكورونا