كانت العبرات تغالب حيوية وجهه الناضر وهو يقول فور انفرادنا في الغرفة:
– لست من أهل اليأس والقنوط، ولكن لم أعد أرى بابا لخروج ثورتنا من محنتها
– اليأس والقنوط يا أخي الكريم هو ألا ترى الطريق وإن كان موجودا بين يديك
– وأين الطريق.. إدلب هي محطة الإبادة التالية، والغوطة مستهدفة الآن، والجنوب في معتقل كبير، وبلادنا محتلة من الغرباء وممن ينسبون أنفسهم إلى سورية، فمن أين تنطلق المواجهات الميدانية التالية، وكيف تستعاد المدن والقرى المحتلة من جانب الاستبداد وأعوانه؟
– الاحتلال هو احتلال الفكر والبصيرة
– معذرة يا أستاذ، هذه فلسفة، وشبعنا فلسفات وإن كنت تكبرني بأربعين سنة
– لا داعي لتعتذر، واعتراضك في مكانه، وهذا بالذات ما أراه بداية طريق صنعته الثورة
حملق في وجهي مستغربا ومتسائلا عما أقصد دون أن يقول كلمة واحدة، فتابعت بعد هنيهة:
– إن ما صنعته الثورة أخي الكريم لا تقضي عليه القذائف والغارات، وهو كثير الميادين، وصبرنا على الحوار قصير المدى، فاسمح لي بذكر جانب واحد يمكن أن تبني عليه لرؤية الطريق وسلوكه
– تفضل..
– أنت في الثلاثين، فاصدقني القول كيف كنت في العشرين من العمر، هل كنت تعترض على ما يقول لك من هو أكبر منك سنا أو أغزر منك علما أو أعلى منصبا بل ربما لا تعترض على الأكثر مالا ناهيك عمن يشغل منصبا لا يستحقه، أو يملك قوة مادية لا تملكها..
قاطعني وقد استطال مقدمة كلامي..
– حسنا.. حسنا.. ولكن سواء رفضت واعترضت أو لم أفعل، كيف أتحرك لأحقق هدفي دون أن أمتلك الوسائل والإمكانات وغيري يمتلكها
– هذا ما لا يستطيع إعطاءك إياه أنا وأمثالي ولا أحد سوانا، وكنا نقول في ذلك الكثير قبل الثورة، وكنت تصنع ما يقال لك بحكم اعتيادك وتربيتك، فما هي الحصيلة؟ الثورة يا بني أعادت صناعتك إنسانا واستقلالا، وجددت تربيتك شخصية وسلوكا، ولا يوجد في عالمنا المعاصر ولا تاريخنا القديم والحديث من صنع شيئا كبيرا أو صغيرا، اعتمادا على وسائل سواه، بل من خلال وسائل صنعها بنفسه، وأساليب أبدع في إيجادها رغم العقبات، ولم تكن بين يديه من قبل..
يا بني لقد جعلتك الثورة قادرا على التفكير، وأعطتك من التجارب الدامية ما يساعدك على رؤية الحق والصواب، وما دمت متشبثا بهدف التحرر لنفسك وشعبك، وبناء مستقبلك ووطنك، والتحول إلى عنصر فعال في عالمك وعصرك، فاعمل بنفسك على امتلاك الوسائل وإبداع الأساليب كما صنع سواك.. سواء في ذلك ظالمون استبدوا ومظلومون تحرروا..
أنت الآن إنسان صنعتك الثورة لتتابع الطريق، فتابع الطريق مع من هم من أمثالك وهم كثيرون من حولك، أو بعيدون فعليك التواصل والتوافق معهم.. لا تهوّن من شأن نفسك ولا تكرّر أخطاء من سبقك، وإن عايشتك وأنت تواصل الاعتراض كلاما على ما أقول حينا بعد حين، وتتجاوزني أفعالا في أحيان كثيرة، يمكن أن أفارق الدنيا بقدر أكبر من الاطمئنان إلى مستقبل أولادك وبلدك وأمتك.
نبيل شبيب