ــــــــــ
(هذه خواطر إعلامية تنشر الآن في مداد القلم مع بعض التعديل عن مقالة نشرت يوم ١٠ / ١٠ / ١٩٩٨م في جريدة “المسلمون” السعودية، بعد ميلاد هذا الموقع بأقل من عام)
ما الذي يعنيه القول السديد في نطاق الفكر والإعلام؟
قبل سنوات لم يكن كثير منا يقدر حجم ما يصيب عموم قضايانا من تأثير سلبي للإعلام والفكر عند تجاهل القيم أو معاداتها، وهذا ما تبين بشكل صادم في نطاق رصد ما ترتب على سرعة التطورات التقنية وهي تتجاوزنا في عالم الاتصالات والنشر، مع غياب المعايير اللازمة للتحكم بمساراتها وتأثيرها، حتى تنامى مفعولها في كافة قطاعات حياتنا العامة والخاصة، ولا نزال في مرحلة التساؤل كيف نستشرف مستقبلنا ومتى نشعر بالخطر المرتبط بها ناهيك عن مواجهته.
صحيح أنه يوجد إنتاج وفير من عطاءات الفكر والقلم قد أشبع بعض الإشكاليات ذات العلاقة بحثا، إنما بقيت المتغيرات أسرع تطورا وانتشارا من متابعتها واستيعابها، وليس هذا أمرا بسيطا في نطاق معالجة شأن فكري إعلامي بوسائل الفكر والإعلام وهو بحد ذاته محور تلك الوسائل، فكأن الإشكالية الأكبر كامنة في طريقة توظيف ما نملك من وسائل وليست في نقص يعتري بعض جوانبها، وتضاف إلى ذلك إشكاليات أخرى، من الأمثلة عليها أن تجد قضية من قضايانا دراسة خبير متخصص مثلا، وقد يصل بها إلى قمة التقصي والإبداع، ولكن تغلب على صياغتها العبارة المبهمة فيدبر غير الخبير عنها، وتبقى الدراسة القيمة دون أثر في واقع حياة غالبيتنا من العامة، ولا تخرج عن دائرة النخب إلا قليلا.
إن معضلة تعاملنا الفكري والإعلامي مع قضايانا، تكمن في أننا نساهم في تضييع إمكانية العمل لها، للأسباب المذكورة آنفا وسواها، مثل مناكفاتنا بين حديث عاطفي يلهب الحماسة ولا يخطط للعمل وبين حديث فكري رفيع المستوى دون جذوة كافية لتعمّ فائدته، وقد نصبنا حاجزا غير مرئي بين هذا وذاك، فلا يستفيد فريق من فريق جهلا بما لديه أو استهانة به، رغم حاجتنا جميعا إلى التكامل وتبادل الفائدة.
لسنا فئة واحدة متجانسة، بل يوجد فينا من يحتاج إلى لسان الخطابة والتذكير والموعظة، ومن يحتاج إلى قلم الفكر والبحث والبيان، وفينا من يتحصن بعواطفه الجياشة الصادقة، ومن يتحصن باقتناعاته الفكرية الراسخة، وليس سهلا الجمع بين لسان الوجدان وعطاء الفكر، ولكن لا ينبغي أن يغمط أحدهما حق الآخر في اختصاصه أو أسلوبه ولا أن يغمط قيمة دوره في ميادين التأثير على من يتأثر عاطفيا أو من يتأثر عقلانيا.
هذا بعض ما يحتاج إعلامنا وعموم كتاباتنا إلى فهمه تحت عنوان القول السديد، فالسداد يتجاوز إطار سلامته النظرية وصحته اللغوية، إلى جدواه عبر تحقيق هدف كريم، فكأن العطاءات الفكرية والإعلامية تكتسب قيمتها تحت عنوان القول السديد، بقدر ما تكون مسددة بما يكفي لبلوغ الهدف المعني، فآنذاك يصلح ما ينبني عليها من عمل {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
نبيل شبيب