خواطر – منطلق وحدة التوجهات والصفوف

بين التعددية والانسلاخ التاريخي الحضاري

ليس من الحكمة ولا المصلحة، أن يضع كل فريق منّا منظار قضية واحدة، قد تهمّه أكثر من سواها لسبب ما، فيرى سواها من خلال ذلك المنظار فقط؛ ولا تصحّ المقارنات التي تقلل من أهمية مختلف القضايا التي نواجهها في واقعنا وواقع عالمنا، أرضنا العربية والإسلامية، بل تشغل عن واجب التضامن والتعاون والتنسيق والتكامل من منطلقاتنا الذاتية القائمة على أسس دائرتنا الحضارية المشتركة، بدلا من الافتراق على سبل متشعبة، سلكها دعاة تيارات متعددة متباينة، وأوصلت إلى تحجيم كل قضية على حدة، وإلى حبسها في إطار وطني أو إقليمي أو مصلحي أو سوى ذلك، بما ساهم ويساهم في تمكين الطرف العدو من الانفراد بتلك القضية وتحقيق أغراضه العدوانية على صعيدها.

لا توجد مشكلة في تعدد وطني أو قومي أو مصلحي أو إقليمي، فهذا جزء من الحياة البشرية منذ أقدم العصور، ولكن المشكلة كامنة في اصطناع التناقض ضمن تلك التعددية بدلا من التكامل، كما تكمن المشكلة الأخطر في الاستعداد للتلاقي مع أشدّ الأعداء والخصوم، على أي أرضية مشتركة، ولو كان فيها تنازل كبير بحجة ما تقتضيه السياسات الواقعية، وعدم الاستعداد للتلاقي بقدر أقل بكثير من التنازلات مع الطرف الآخر داخل نطاق التعددية الوطنية والقومية والإقليمية والمصلحية مّما تجمعه دائرتنا الحضارية المشتركة.

بل إنّ الفريق الذي يرفض التلاقي مع بني جلدته المخالفين له في الهدف والطريق رغم عناصر أرضية حضارية مشتركة، على استعداد في ميادين الفكر والفن والثقافة وما ارتبط بها، لممارسة أقصى درجات الانفتاح على الطرف الآخر من أرضية حضارية أخرى، إلى درجة العناد في التمسك بدعوات تستحق وصف الانبطاحية، المفتقرة إلى منهج وضوابط، ليتحقق توازن، قائم على مناعة ذاتية، مع الحرص على علاج إصابات مرضية اجتماعية لا يستبعد انتشارها عند الانفتاح على دائرة حضارية أخرى تعاني منها.

دعوات الانفتاح المطلق تلك بتأثير عصر العولمة، مع تجاوز الحدود والمسافات، والحواجز الخفية والمنظورة، بل مع هدم ما كان من المسلّمات البدهية في القانون الدولي كسيادة الدولة تقابلها ممارسات ملتزمة بالانغلاق المطلق، الذي تحرسه الحدود والحواجز والقوانين والحملات المتبادلة، بين طرف وطرف آخر، ممن تجمعهم في الأصل أرضية عالمنا العربي أو الإسلامي المشتركة؟

الأبواب هنا موصدة، مع أن فتحها شرط موضوعي وواقعي، لتحقيق حد أدنى من صيغ التكامل والحوار والتبادل، وبالتالي حد أدنى من السيادة على أنفسنا وقرارنا ومنهجنا، عند تعاملنا مع عوالم أخرى، قائمة على أرضية حضارية أخرى، ولها مقاييس أخرى في ميادين الفكر والثقافة، والأذواق والأخلاق، والقيم والعقائد، والسلوكيات الاجتماعية، هذا مع عدم إغفال وجود قواسم مشتركة حضارية وإنسانية دوما.

إن توجيه الضربات لذاكرتنا التاريخية على وجه التخصيص وسيلة رئيسية لترسيخ تلك التناقضات الشاذة؛ و ما يظهر للعيان، كمثال أوضح من سواه، في التعامل مع قضية فلسطين تحديدا، لأنها قضية محورية بعيدة التأثير على سواها، أكثر من قضايا أخرى، لا نقلل من أهميتها أيضا ومن نتائجها على بعضها بعضا.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

التاريخالتعدديةالتكامل
Comments (0)
Add Comment