خواطر
الأطفال مشدوهون، يرون ولا يستوعبون، ولا جدوى من مساعي أمهاتهم وآبائهم لشغلهم عن متابعة ما تنقله الشاشة الصغيرة من صور رهيبة للمآسي الجارية، فقد تجاوزت حدود جهودهم، ثم كيف الحال مع الناشئة والشبيبة، ممن تجاوزوا سن الطفولة، وبدؤوا يستوعبون ما يجري، ولا يمكن حجزه عنهم مهما بلغت جهود وسائل الإعلام لشغلهم بأسباب اللهو أو التشبث بالبرامج الروتينية، ناهيك عن التضليل، طوال أيام القصف والتقتيل والتشريد والتنكيل.
وما الذي يعتلج في صدور الناشئة وهم يسمعون فلانا وفلانا من المتسلطين في بلادهم يسوغون التواطؤ أو يرصدون سكوت الشريك في الجريمة، فضلا عن عبارات مخزية عن الاعتراف بالعجز المصنوع محليا، أو عن تلك البيانات والكلمات الفارغة من المضمون، دون أن يرافقها ولو خطوة واحدة من الخطوات الشكلية للتعبير عن رفض حقيقي للعدوان بعد العدوان؟
ما الذي يتراكم من أفكار ومشاعر عبر رؤية بعض الصور المأساوية لأطفال تمزق مآسي التشريد حياتهم إن لم تمزق القذائف أجسادهم، وبعض صور النساء اللواتي يتعرضن للإجرام، مما لا يصبر على السماع به فضلا عن مشاهدته إنسان فيه بقية باقية من شرف أو نخوة أو كرامة أو عزة، ويزيد جيل الشبيبة والناشئة شعورا بالقهر رؤيتهم للرجال الذين تنطق وجوهم وعيونهم بالقهر في عصر العهر السياسي الشامل هذه الأيام؟
كيف الحال مع أولئك الناشئة والشباب وهم يريدون التحرّك، وتتفجر بالغضب صدورهم، ثم إذا أرادوا الخروج في مظاهرة، أو مقاطعة، أو حملة إنسانية واجهتهم حرابٌ كان من المفروض أن توجه إلى الغزاة، ورأوا الفتك العلني مصير كثير من الواعين الرافضين لهذا الواقع الفاسد، تحت سيطرة خدام المخابرات وحراس السجون والمعتقلات وصناع ألوان التعذيب والإرهاب؟
إن ما تصنعه حكومات بلادنا العربية والإسلامية بناشئتنا وشبابنا قد بلغ درجة من القهر لا يمكن معها إلا أن يتراكم الاحتقان فوق الاحتقان إلى درجة الانفجار، جنبا إلى جنب مع الحرمان من أي نوع من أنواع المشاركة في صناعة القرار على أي مستوى من المستويات، في بلدان صار الاستبداد فيها أساس وجودها المخزي.
يجب التركيز على رؤية الطريق الموصلة إلى تغيير الواقع الفاسد من جذوره، ويجب أن يشارك جميع المخلصين في التلاقي على رؤية مشتركة للعمل، أيا كانت الانتماءات والمعتقدات والتصورات، وهذا ما تحمل المسؤولية الأولى عنه نخب العلماء والدعاة والمفكرين والمثقفين والأدباء والإعلاميين، وبقدر تلاقي هؤلاء على ذلك يبدأ اضمحلال تأثير الفئات المتسلطة على صناعة القرار السياسي وغير السياسي عبر عشرات السنين الماضية، ولا يجهل أحد ما أوصلت إليه من هزيمة بعد هزيمة، ونكبة بعد نكبة، وتراجع بعد تراجع، عن صعيد سائر ثوابت الأمة، بأي منظور إسلامي أو قومي أو وطني أو إنساني معتبر.
إنّ جيل الناشئة والشبيبة في بلادنا لا يحتاج إلى التوعية المجردة بما يجري، فقد بات ما يجري واضحا وضوح الشمس، وإنما إلى الوعي بما يجب أن يصنع، كيلا ننتقل جيلا بعد جيل، من منحدر مأساوي إلى منحدر آخر أشدّ وأنكى.
وإن الهجمة الجارية لا تقتل أطفال هذا الجيل فحسب، بل تقتل أيضا الإنسان في أطفال جيل المستقبل، وتساهم في صناعة الشاب المقهور، فإن ثار على الأوضاع القائمة فسوف يمضي بثورته إلى أقصى مدى، وقد يفقد التحكم في ذلك بما نعرفه من قيم ومعايير.. ولهذا يجب على نخب المخلصين أن تشق جماعيا وقبل فوات الأوان طريق التحرك الشعبي الشامل، وأن تكون هي في المقدمة:
١- تجاوزا لكل خلاف جانبي على التفاصيل وتفاصيل التفاصيل.
٢- رفضا لكل شكل من أشكال الهيمنة الأجنبية والتبعية للنفوذ الأجنبي.
٣- جهرا بالحق دون تردد ولا تزييف.
٤- مع إيجاد البدائل الناضجة للعمل مكان ما ينشر من توجيه منحرف وتأهيل منقوص عبر التغريب والأمركة في مختلف الميادين الفكرية والثقافية والاجتماعية لا السياسية والاقتصادية والعسكرية فقط.
٥- وإيجاد شروط العمل الهادف في كل ثغرة من ثغرات تأمين وجودنا في عالمنا وعصرنا.
إن كل قصور أو تقصير عن التحرك الجماعي الجادّ هو ضرب من ضروب المشاركة في تدمير الطريق التي يجب شقها أمام جيل المستقبل، كيلا يكون أشد ظلاما من الواقع الفاسد الراهن. لا بد من العمل على ترسيخ ثقة جيل الناشئة والشبيبة بأنفسهم وبطاقاتهم المتفجرة وبقدرتهم على الخروج من عصر المحن والكوارث والمآسي، فهم مَن سيصنعون المستقبل، وهم القادرون على صناعة المستقبل رغم التحديات المحيطة بنا وببلادنا وشعوبنا على كل صعيد.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} -٦٩ العنكبوت-
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب