خواطر – بين ما تدمّره همجيتهم.. وما تدمّره أيدينا

لا يكفينا كيل "المديح" للثورة الشعبية في سورية، أنها الثورة الكاشفة، فكشف أوضاع كانت "ملتبسة" أو "مقنّعة" أو "مغيبة عن الأنظار والأفهام"، أمر يفيد بقدر ما يؤدي إلى رؤية أفضل، وتصميم أكبر، وتحرك أقوم.

لقد كشفت الثورة أنه لا حدود إنسانية ولا عقلانية ولا زمنية لهمجية أعدائها، فكشفت واقعيا أن كثيرا منا لم يكن يقدر ذلك حق قدره مسبقا، وبدلا من مواجهته، كشفت الثورة أيضا كيف تشعب تعامل معظمنا مع ما انكشف له من همجيات، ما بين ازدياد التشبث بتعدد الرؤى والرايات الذاتية، وردود أفعال محلية ووقتية، وانحرافات كبيرة وصغيرة وراء ممارسي الغلو والتطرف حينا أو مواجهتهم بشبيه ما لديهم حينا آخر، فكانت الحصيلة على أرض الواقع، تصعيد همجية الهمجيين، وعدم تصعيد الفعل الثوري الحاسم مضمونا وتوحيدا وفعالية ورؤى وأهدافا قويمة.

كشفت الثورة أنه لا حدود إنسانية ولا عقلانية ولا زمنية لزيف مبادئ ومثل يرددها ما يسمّى "المجتمع الدولي" أو غالبية "الأشقاء" من عرب وعجم، فكشفت لنا واقعيا أن كثيرا منا راهن على "الحصان الكاذب"، وبدلا من أوبة وتوبة وتوحيد صفوف، كشفت الثورة استمرار كل فريق على التشبث بما أنشأ -أو أنشئ له- من ارتباطات خارجية، ولم يقف في ذلك عند حدود عدم توظيف نفسه لصالحها، جاهلا أو عامدا، على حساب من كان يفترض أن يكون معهم في جبهة واحدة في ميادين الثورة.

بالمقابل.. كشفت الثورة أيضا أن في سورية شعبا يتحمل من أجل تحرره ما لم يتحمله شعب قبله، ويبدع في طريق تحرره ما لم يبدعه شعب قبله، ولكن كشفت أيضا أن أصحاب الأقلام العتيدة والأفكار النيرة ممن تصدوا لتوجيه الثورة و"قيادتها" من خارج ميادين المواجهة المباشرة، لا يزالون يتشبثون بما اعتادوا عليه من قبل من رايات وطرائق للعمل، فلم تجمعهم قواسم مشتركة، ولا ضاعفت المحن سرعة "محاولاتهم" لجمع عقولهم وصفوفهم على أرضية مشتركة، فلم يتبدل وضع "لحاقهم" بالثورة بسرعة السلحفاة، وهم يحسبون أنهم يعملون على  توجيهها وقيادتها، كأن العلة الكبرى كامنة في اعتقادهم أنهم خلقوا لينفعوا سواهم وليس لينتفعوا هم من سواهم أيضا، كي يعدّلوا فعلا ما ثبت من طرق عمل خاطئة، وأساليب تجاوزها الزمن وأحداثه، ولهذا لا نزال نرصد في "مواكب" الثورة، من ورائها وعن يمينها وشمالها، كثيرا من المغردين، ولا نسمع لحنا مشتركا، ولا نرى جهدا مشتركا، ولا نلمس حصيلة مشتركة.

أيها المخلصون

ما زال باب شرف الانتساب إلى الثورة التغييرية التاريخية الكبرى مفتوحا، وما زالت أفواج ضحاياها تضعنا جميعا، يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، أمام مسؤوليات كبرى، وجها لوجه، فمتى تكشف الثورة أننا أصبحنا نراها كما هي وليس عبر "مناظير" تحملها عيوننا منذ عشرات السنين؟

ما زال في الإمكان أن نتحرك على طريق آخر.. ليكون في قادم الأيام غير الذي انتشر في سورية وما يزال يستفحل أمره في الاتجاه الخاطئ.. فهل نتحرك؟

نبيل شبيب