لا يغيب عن الأذهان ما يحمله المخلصون من أهداف مشروعة لتوحيد بلادنا العربية والإسلامية مستقبلا، إنما يقتصر الحديث هنا على مرحلة نعيشها الآن، ويجب أن نتعامل معها بما يحقق أهدافنا الحالية والمستقبلية، فننطلق مما بين أيدينا، من أوطاننا الحالية في مواجهة قوى عاتية، لا سيما ” سورية” المعرضة مع أهلها لأخطار كبيرة لا تخفى على أحد، ولا تقف نتائجها عند حدودها “السايسبيكوية” الراهنة.
إذا استبعدنا احتمال الجهل -وليس الجهل في هذه الحالة عذرا- فإن العمل لتفتيت سورية هو عمل عدائي خارجي يعتمد على خيانة داخلية، أو عمل انتحاري داخلي يعتمد على دعم خارجي.
في سياق تبرير بعض دعوات الانشطار والتشطير يقال إن شعب سورية متعدد الانتماءات، والجواب: العدد الأكبر من دول العالم “المستقرة” تتعدد فيها الانتماءات.
ويقال إن مرجعية الإرادة الشعبية المشتركة تعني تحكّم الأغلبية بالأقليات، والجواب: هذا لا يستدعي “تفتيت الوطن المشترك” بل ضوابط توافقية ملزمة ترسخ الحقوق الأساسية والحريات العامة، لتبقى المرجعية في حدودها الموضوعية ومنها المصالح المشتركة.
ويقال إن في سورية أقليات فقدت الإحساس بالأمان، والجواب: ليس وصف “الأقليات” من مفردات قاموس “وطن مشترك”.. ومن ينزلق إلى إغفال انتمائه الوطني الأصيل، ويصنف نفسه أو يقبل بتصنيفه “أقلية” يفصل نفسه عن الحاضنة الوطنية المشتركة، أما “الأمان” فإن الإحساس به محجوب عن “جنس الإنسان” في سورية، وليس عن طرف دون آخر، وإن استعادة الأمان “مطلب جماعي مشترك”، أما جعلها ذريعة للتفتيت فهذا لا يضعنا على مسار “آمن”.
. . .
نحن نرى في عالمنا كيف أصبح التكتل ضرورة مصيرية بين الدول والشعوب، بين أصحاب المصالح حتى الشركات العملاقة ومراكز العلم والبحث.. يين من يوصفون بالكبار والأقوياء، وهو أشد ضرورة بين من يوصفون بالصغار والضعفاء.. وكل تحرك “انفرادي” أشبه بإصابة مرضية “أعيت من يداويها”.
مستقبل سورية بلدا وشعبا وأغلبية و”أقليات”، مرتبط بوحدة أرضها وشعبها، ولن تكون لأي دويلة على جزء من أرضها مؤهلات استقلال وسيادة وبقاء، ومن يتوهم ذلك يشارك في وأد نفسه قبل وأد سورية الوطن.
قد يختلف أهل سورية ويتفقون، ويتنازعون ويتوافقون، وهم يبحثون عن البنية الهيكلية الأمثل لدولتهم ودستورهم وقواعد التعامل فيما بينهم، بعد استبداد إجرامي وهيمنة أجنبية عدوانية.. ولكن “ينتحر سياسيا” المكوّن الشعبي الذي يربط نفسه بمطامع هيمنة أجنبية، لأيّ دولة، كإيران كما تشهد العقود الماضية، أو روسيا كما كان في الحرب الباردة، أو أمريكا كما يراد لبعض أهلنا هذه الأيام.
. . .
الأمن والأمان لكل فرد وكل انتماء وكل صاحب حق أساسي لا يرسخان إلا في إطار ما يجمع السوريين ولا يفتتهم، ويوحدهم ولا يفرقهم، وما يميز علاقتهم الوطنية المشتركة تجاه أي طرف “آخر خارج بلدهم”، فلا يحولها طرف منهم إلى علاقة خيانة انتحارية عبر العداء تجاه “الآخر داخل سورية”.. وهذا مع بقاء الانفتاح “الجماعي” للدولة السورية وشعبها، تجاه سائر القوى الإقليمية والدولية، على أساس “المصالح المشروعة المتبادلة” وليس “مطامع السيطرة والنفوذ والهيمنة والاستغلال”.
هل يمكن لعاقل أن يتصور.. أن أي قوة خارجية يمكن أن تضمن سلامة أي فئة من الفئات الشعبية في سورية، على المدى القريب والمتوسط والبعيد، إذا جعلت من تلك الفئة مسبقا “عدوا قائما على أرض جزء من سورية” تجاه أهل سورية؟
في الوقت الحاضر تثار أطروحات التفتيت عبر بوابة أهل سورية من الأكراد في الشمال، أو أهل سورية من الدروز في الجنوب، ناهيك عما لا ينقطع منذ فترة من أطروحات ترهيبية بشأن دويلة ساحلية لأهل سورية من العلويين.
نرفض كل صيغة مستقبلية تهضم الحقوق الأساسية المشروعة لأي فئة من الشعب، بدءا بالأكراد انتهاء بالشركس، وبدءا بالسنة انتهاء بالعلويين، وبدءا بالدروز انتهاء بالتركمان.. ولكن لا بد أن يكون واضحا لنا جميعا، منفردين ومجتمعين:
الدعم الخارجي لا سيما المسلح لفئة من الفئات بحيث تكون هي مصدر خطر على سواها، داخل سورية أو تجاه بعض جيرانها كما هو الحال مثلا مع “فريق من الأكراد وتركيا”، هو دعم للاقتتال الانتحاري المحلي والإقليمي..
ظهور الخطر يؤدي إلى ردود الفعل عليه، ومن يتقبل الدعم الخارجي الملوث، ويستخدمه خارج نطاق إنهاء وجود بقايا الأخطبوط الاستبدادي الأسدي الإجرامي الفاسد، يسلك طريقا انتحاريا دون ريب، مهما بلغ دعمه “الآنيّ”.. لا سيما وأن سياسات الهيمنة الدولية تتقلب تحت تأثير مطامعها أكثر من تقلب ألوان “الحرباء” لحماية نفسها.
نبيل شبيب