منذ مطلع الثورة كان كل فريق يعمل يجد فريقا آخر يعلن معارضته له ويعمل بطريقته، وكان العدو مقتصرا على النظام الأسدي، وتهالك النظام بقدرة قادر، وجلب من يعينه ضدنا جميعا، وقل ما استعان بعضنا ببعضنا الآخر ضده وضد الميليشيات المستوردة، حتى وصل الأمر بتحالف الأعداء الآن إلى مداه، ولا نزال عموما كما كنا في بداية الثورة.
يكاد يفوتنا قطار الثورة ونحن نركب ألف قطار وقطار نعطيها جميعا عنوان الثورة.
نزعم تبريرا لأنفسنا أن المسؤول عن تفرقنا هو هذا العدو أو ذاك، بدءا ببقايا النظام مرورا بقنوات دعم "أصدقاء" انتهاء بقصف الأعداء لبعضنا دون بعضنا الآخر.
ويزعم كل فريق أنه على الرؤية الصحيحة والدرب الصحيح، ودليله ما قال ابن تيمية وابن حزم، وما يراه الأقدمون والمحدثون.
حتى عندما يخوض بعضنا معارك المواجهة المباشرة، ينشغل بعضنا الآخر بلومه أن يتحرك في حماة، أو حلب، وفي الغوطة أو الساحل، بل بلغ ذلك درجة "معركة تسريبات" كلام بعضنا عن بعضنا، وهي جميعا موجهة ضدنا جميعا، منها ما يحركه العدو وينشره وربما "يفبركه" فنتناقله بألسنتنا وأقلامنا، جنبا إلى جنب مع تعدادنا للضحايا والشهداء والمشردين من أهلنا.
إن تحالف الأعداء "يطيل أمد الثورة" ويتمنون أن ينهك ذلك الشعب الثائر.. وإننا نساهم إسهاما كبيرا في "إطالة أمد الثورة" وفي إنهاك أنفسنا.
يشهد الله، ويؤكد التاريخ والواقع، أنه لم يعد بيننا وبين نصر مؤزر سوى جمع القلوب والصفوف، وأنه ليس بيننا وبين الانكسار لا سمح الله إلا أن نتأخر في جمع القلوب والصفوف.
أما القلوب فلا تجتمع ما لم يكن منطلقنا الثوري هو واقع قائم شئنا أم أبينا، ويتمثل في "وطن واحد" وإن بلغت آمالنا المستقبلية حدّ توحيد البشرية كافة.. ولا يلام أحد على آماله.
وأما الصفوف فلا تجتمع ما لم تتبدل الرايات براية الثورة المشتركة، وتتبدل أسماء الفصائل بأسماء شهداء الثورة بدءا بحمزة الخطيب.. وما لم يجلس السلفي مع العلماني، والإخواني مع السلفي، والسياسي مع المقاتل، والمفكر مع الإعلامي، على طريقة ما يسمونه "مائدة مستديرة" لا يستعلي حولها كرسي على بقية الكراسي، لتحديد هدف أول مشترك هو الهدف الفعلي القائم منذ اللحظة الأولى للثورة، واعتماده أساسا لوضع ما يسمونه خارطة طريق، تصلح لتصل بنا -إذا التزمنا بها- إلى قطع المرحلة الأولى في مواجهة تحالف الأعداء، وتقرر للمستقبل قواعد التعامل في المستقبل، وتتحول من خلالها الثورات التي نخوضها في سورية، وهي بلد واحد، إلى ثورة واحدة فعلا لا شعارا، وتكون "نماذج الدول" التي نتطلع إليها مستقبلا "تصورات متعددة على أرضية مشتركة" نقف عليها جميعا، ونتنافس على أهدافنا فيها جميعا، بعد أن تتحقق المرحلة الأولى، وليس الآن، فكل ما يسبق ذلك هو انتحار، لا يجيزه دين ولا منطق ولا واقع ولا غيرة حقيقية على الشهداء والضحايا والحاضر والمستقبل، ولا على الدين والوطن والأهل والإنسان.
لا تقع "الخيانة" ولا سيما خيانة الثورة، بمجرد تعاون مع عدو، بل كثيرا ما تقع من خلال صنع ما يخدم العدو، ولا يغفر ذلك حسن النوايا، ولا التشبث بمعتقد ديني أو علماني، وبمنهج سيان ما مصدره من مقولات الأقدمين والمحدثين واجتهاداتهم.
نسأل الله تعالى ألا ننزلق في طريق التفرقة إلى أكثر مما كان حتى الآن، فقد يفوتنا قطار الثورة قبل أن نلتقي على دربها من جديد.
والله سميع عليم، وغفور رحيم، وهو القوي ذو الطول شديد العقاب.
نبيل شبيب