خاطرة – كلمات إلى الثوار يكاد يفوت وقتها

كلمة في البداية إلى الثوار في كل مكان، لا سيما في سورية:

في أيديكم أنتم أن تبينوا الشكل الذي يمكن استشرافه لمستقبل الأمة.. ليجتمع الناس عليه، أما إن كان "مرفوضا منفرا" فسينفضون عنه.

إما أن تكونوا على مستوى مسؤوليتكم التاريخية.. أو يأتي الله بقوم آخرين ينهضون بها.

ولهذه الكلمات بقية.. في ختام الفقرات التالية.

. . .

من الأخبار المواكبة لهذه الكلمات (٩/٢ / ٢٠١٥م):

مذبحة سيسية جديدة في مصر استهدفت هذه المرة شبابا من عشاق الكرة..

تزامنت مع مذبحة حوثية جديدة استهدفت هواة السياسة بسكين "الإعلان الدستوري" في اليمن..

ومع مذبحة نفطية حفترية أخرى في مسلسل التحرك المضاد للثورة وثروات مستقبلها في ليبيا..

ولم تنقطع مسلسلات المذابح الهمجية الأسدية في سورية مع مضاعفة التركيز على غوطة دمشق و"التهديد بمسح دوما من الخارطة"..

قيل الكثير عن جميع ذلك.. وسيقال المزيد عن المزيد من بعده، فلنخرج هنيهة من أثقال الألم المشدوه بين تفاصيل اللحظة الآنية من إجمالي مشهد مسارات التغيير، ولنتأمل في جوهر ما يجري بعين البعد التاريخي الأعمق وكذلك البعد الجغرافي الأوسع من بلدان ما سمي الربيع العربي.

. . .

إن "مستقبل الأمة" هو المستهدف اليوم بضربات العنف الاستبدادي الإجرامي، محليا وإقليميا ودوليا..

النسبة الأعظم من ضحايا القتل والاعتقال والتعذيب والتشريد شباب وفتيات وأطفال.. هم "الطاقة البشرية" لمستقبل الأمة..

النسبة الأعظم مما يستهلك في أعاصير التحرك المضاد للثورات عبر التدمير والتقتيل والتهجير هي ثروات تخصصية وعمرانية وإنتاجية ونفطية.. ومالية، هي "الطاقة المادية" لمستقبل الأمة..

حتى عنصر الزمن الضروري لكل عملية بناء ونهوض، يتعرض للاغتيال عبر ما صنع ويصنع من جولات اقتتال إضافية، كالتي زرعت عبر داعش وأخواتها أو عبر الحوثيين والانقلابيين ناهيك عن البلطجية والبلاطجة والشبيحة من مختلف الفصائل التي لا تنتمي إلى البشرية، ولا تفهم ما تعنيه كلمات أمة.. ومستقبل.. وثورة.. وإرادة.. ونهوض.. وعدالة.

. . .

لقد وصل استهداف مستقبل الأمة في معظم بلدان "الربيع العربي" -ومنها فلسطين والعراق أيضا- إلى مستوى القتل الجماعي الفاجر، والتشريد الأقرب إلى حرب إبادة، والاعتقال وتعذيب الحيوانات للبشر، كما وصل إلى درجة الاستعراض العلني المكشوف والتبجح الأخرق بالهمجية، ليس من جانب المجرمين المستبدين والفاسدين فقط، بل ما يشمل إعلاميين و"ديبلوماسيين" وأدعياء فكر وأدب وسياسة!

كيف وصلنا تاريخيا إلى لحظة نشهد فيها هذه الأصناف.. وكأن مشهدها "طبيعي"؟!

كيف وصلنا إلى أن يصبح جميع ما سبق مشهودا علنيا، دون أن يسبب "احتجاج" قطاع كبير من "جيل المستقبل" أيضا ممن نقول إنهم لاهون غافلون، في بلدان تقول أنظمتها إنها "مستقرة"؟

إن جيل الشباب، مستقبل الأمة، يشهد بالذات في تلك البلدان الآن ما شهدته بلدان الربيع العربي في عقود سابقة، والمقصود عملية غسيل دماغ ووجدان، اعتدنا على وصفها بالتغريب والانحلال، على أوسع نطاق وبمختلف السبل.. تريد عزل الإنسان الفرد من جيل الشباب تخصيصا، عن التفاعل مع "الإنسان" في بلاده وعالمه وعصره، أو مع "القيم" التي تحدد طبيعة حياته ومغزاها، أو مع "الحدث" الذي يمكن أن يهوي بمستقبل الأمة إلى الحضيض.

. . .

على المدى البعيد لا جدوى من هذه الحملات فلن تحفظ "استقرار الموات"..

وعلى المدى القريب لا فائدة للأنظمة من خداع نفسها بنفسها، بأن أحداث التاريخ لا تتكرر، فهي لا تتكرر بحذافيرها وتفاصيلها ولكن بجوهرها، وما احتاج إلى جيل أو جيلين من قبل، لن يحتاج إلى مثل ذلك الآن.

يجب أن تخشى تلك الأنظمة على نفسها.. ولكن الأهم من ذلك:

يجب أن يخشى جيل الشباب في تلك البلدان على أنفسهم أيضا، فقد يتعرضون في مرحلة مقبلة إلى مثل ما يتعرض له إخوانهم وأخواتهم في مصر وسورية واليمن وليبيا وفلسطين والعراق هذه الأيام.

. . .

نعود إلى الثوار.. لا سيما في سورية..

لا يستهان بحال من الأحوال بما تقدمون من تضحيات وتحققون من بطولات.. ولكن عليكم تنعقد آمال أكبر حتى من تحرير الأرض والإنسان في بلادكم، فأنتم الأقدر على الحيلولة دون أن تحاصر أعاصير التحرك المضاد لهيب الثورات الشعبية لتخنقه..

الشباب في بلادنا عماد المستقبل، وصانع المستقبل، وأنتم جزء منه، وأنتم الأقدر على جمع مزيد من الشباب على طريق الثورة والتغيير

وأنتم الأقدر على تجسيد "صورة مستقبلية" للأمة.

هذا ما يفرض وحدة الصفوف.. والالتزام بالقيم.. والخضوع لقضاء مستقل.. والامتناع المطلق عن توجيه الحراب إلى بعضكم..

هذا جوهر ما كثر بصدده اللغط من حولكم بدلا من الإشادة بإنجازاتكم.. وليس الدافع إلى معظم ذلك اللغط هو "التقريع والعداء" بل هي غالبا كلمات مخلصة من قلوب تكاد تحترق من الخشية عليكم.. ليس على أشخاصكم ومسميات تجمعاتكم، بل لأنكم في الوقت الحاضر تجسدون ما بقي من أمل لصناعة مستقبل الأمة.

إن لم تحملوا هذه المسؤولية، فقد مضى على خلق آدم أجيال لا تحصى، والله قادر على أن يأتي بجيل جديد يحمل الأمانة، فمن كان منه ربح وفاز، ومن لم يكن خاب وخسر.  

والله متم نوره.. فليتنا نكون ممن يحملون المشاعل بنوره ولنوره.

نبيل شبيب