خاطرة – شراسة الإجرام واستمرارية الثورة

في يوم واحد، يوم ١٣/ ١٢/ ٢٠١٥م، قافلة أخرى من الضحايا، تضم عشرات الشهداء تحت القصف الهمجي المتواصل على الأسواق والمدارس وتجمعات الأطفال والنساء وسواهم من المدنيين في مدن الغوطة الشرقية وبلداتها وفي أرياف حماة وحلب.. حتى استهداف بعض المواقع في المنطقة التي تسيطر داعش عليها يسبب استشهاد المدنيين في الدرجة الأولى.

وليشهد التاريخ:

لم تتبدل في ذلك اليوم خطوط الجبهات في سورية إلا لصالح الفصائل الثورية المسلحة، كما أنها لم تتبدل إلا على الشاكلة نفسها خلال شهرين من تصعيد الإجرام الروسي المباشر في سورية.

. . .

المجرم الأول إيران وميليشياتها، والمجرم الثاني روسيا وقيصرها الصغير، والمجرم الثالث بقايا عصابات الاستبداد الأسدي التابع لهما في سورية..

إنما يوجد المزيد من المجرمين، في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تنقطع عن محاصرة الثورة بكل ما أوتي زعماؤها من وسائل الخداع والتزوير، حتى شكلت تحالفا زعمت أنه لمحاربة ما يسمى تنظيم الدولة "فقط"، وإذا بالغارات الروسية خلال شهرين ضد أهل سورية في مناطق سيطرة الثوار، تصل إلى أكثر من أربعة آلاف تقتّل أهلنا في أرضنا، وتتجاوز بذلك عدد جميع الغارات التي قامت بها طائرات ٦٤ دولة في ذلك التحالف خلال ١٤ شهرا وزيادة..

من قبل تصعيد الإجرام الروسي ومن بعده لم تتبدل السياسات الأمريكية وسياسات من يرتبط بها، ضغوطا لحظر السلاح عن الثوار، ومؤتمرات ولقاءات وتصريحات، لا تغير شيئا سوى قرارات سابقة بشأن إسقاط الإجرام الأسدي..

ما هي إذن "الاستراتيجية" الأمريكية الحقيقية من وراء ذلك، وما هي حقيقة ما يسمونه الصراع الدولي على النفوذ مع روسيا؟

يقال إنهم يتجنبون نشوب حرب عالمية ثالثة! وهل توجد تسمية أخرى لما يجري ضد الإرادة الشعبية في ثورات سورية وأخواتها؟

كلا.. لن تنشب حرب عالمية ثالثة على غرار ما كان في القرن الميلادي العشرين، فقد تبدلت الظروف وتبدلت المعطيات، ولكن ما نشهده الآن هو حرب عالمية ثالثة بصيغة جديدة، وفق ما تتطلبه الظروف المتغيرة الحالية والمعطيات المتغيرة الحالية، وجميعها تلتقي على محور واحد: حرب بين قوى تحرير إرادة الشعوب وقوى تقهر الشعوب عبر سيطرة المستبدين محليا وعالميا.

. . .

لن يكون ما بعد هذه الحرب على غرار ما كان خلال العقود الماضية، ولن تبقى السيطرة في أيدي "مافيا الظلم والقهر والتسلط والسلاح الإجرامي.. وأقنعة حقوق الإنسان".

إن تصعيد شراسة الهجوم على أطفالنا وإخوتنا وأخواتنا في سورية حربا، وفي سواها قمعا وقهرا، لا بد أن يزيد نيران ثورة الإنسان على الهمجية اشتعالا، وهذا ما يأخذ حاليا مداه في سورية المستهدفة بالذات، وقد أصبحت هي عاصمة ثورة الإنسان في عالمنا المعاصر هذا.

ولهذا أيها الثوار في سورية..

لا تنشغلوا بمعارك جانبية، مع فلان أو فلان بسبب حماقات يصرح بها هذا في مقابلة متلفزة، أو حماقات يرتكبها ذاك تحت عنوان "خلافة" يدنس قداستها..

ولا تنشغلوا ببعضكم بعضا..

إن المعركة التي يخوضها المخلصون أكبر من ذلك وأعظم، ومن ظن في بدايتها أنها ستكون بين "جبهتين" واضحتين فقد أخطأ التقدير، هي معركة تحرير إنساني كبرى، كان لا بد أن تختلط فيها الجبهات، ولا بد أن تصل شراسة المجرمين فيها إلى ما نشهده هذه الأيام ومن قبل، إنما -وهذا ما ينبغي أن يشغلكم- لا بد أيضا أن تجمع بين المخلصين، وأن تضم صفوفهم إلى بعضها بعضا، وأن تنتزع من عقولهم وصدورهم كل عقبة صغيرة أو كبيرة في وجه التلاقي وتضافر الجهود وتوجيه الضربات في اتجاه واحد.. في اتجاه تحالف المجرمين مع المجرمين، ولرد عدوان الإجرام السافر مهما كانت جنسيته وأيا كانت رايته وحيثما ظهرت شراسته.

إن ضحايا القصف الهمجي هم الذين أعطوا الثوار ثقتهم، ووضعوا أنفسهم في حمايتهم، وقدموا أرواحم وآلامهم ودموع ذويهم من أجل تحررهم وتحرر بلادهم وعالمهم..

وبالمقابل.. أنتم أيها الثوار أعطيتم العهد لهؤلاء الضحايا وذويهم من بعد رب العالمين، القادر إن أخلصتم.. ووحدتم رؤاكم وصفوفكم، على نصرة شعبكم عن طريقكم، وبسواعدكم وصدوركم وبطولاتكم وتضحياتكم، وذاك هو الفوز العظيم في الدنيا قبل الآخرة، وما النصر إلا من عند الله، إنه لقوي عزيز. 

نبيل شبيب