ما قيمة الكلمة والقذائفُ تمزّق الأجساد مع التاريخ والحاضر والمستقبل؟..
ما الذي يمكن قوله إذا كان من يسيطرون على إمكانات الأمّة يفرّطون بها، ولا يقولون ما ينبغي قوله، ناهيك عن التحرّك في وجه الكوارث التي صنعوها وصنعوا معها “عجزهم” وفي مواجهة الأخطار التي يشارك بعضهم في تنفيذ أهدافها الإجرامية؟
تساؤلات مطروحة باستمرار، تعبّر عن الإحساس بالقنوط وتساهم في نشره، وتوحي بالعجز وترسّخه، وتتجاهل المشهود من إنجاز يحققه العمل، وتكاد تقوّض ما تنجزه الكلمة أيضا.
تساؤلات لها ما يفسّرها في واقعنا القائم، وفي مجرى الأحداث والتطوّرات من حولنا، وفي مسلسل الكوارث والنكبات والهزائم التي نعايشها وعايشها جيل سبقنا، ولكن.. إذا كنا لا نملك القدرة على تغيير فوري لهذا الواقع الفاسد من جذوره، فكيف نملك القدرة على الصمت؟
لا خلاف في الأصل على أنّ القول دون عمل، مَرَض، يفضي إلى الضياع في الدنيا وربما العقاب في الآخرة. ولكن من المفروض ألا يوجد خلاف أيضا حول القيمة الذاتية للكلمة، فكما ورد في القرآن الكريم الأمر المتكرر بالعمل الصالح، ورد أيضا الأمر بالقول السديد، والصائب، والحق، والطيب، والصادق، ولقد بدأ البناء الأول للمجتمع الإسلامي بأبعاده الحضارية الإنسانية الكبرى بالكلمة في العهد النبوي، مع الإعداد لِما هوأبعد من الكلمة، ومع الاستعداد لتحمل تبعات الكلمة وكثيرا ما كانت سببا في الملاحقة والتعذيب والحصار.
إنّنا نعيش في حقبة زمنية هي حقبة تحوّل في حياةالمسلمين والبشرية، تحوّل من وضع التردّي فيالحضيض، إلى وضع نرجو أن نخرج منه علىطريق يوصلنا إلى امتلاك قدر من الطاقة الذاتية يكفي لمواجهة المخاطر المحيطة بالإنسان، لا سيما في بلادنا، من كل جانب، وصدّها، ونستطيع معه مستقبلا مواجهة القوة بالقوة، والعدوان بالرد المناسب.. ولكن في المرحلة الحالية بالذات، لا يمكن أن نستغني عن الكلمة الصائبة السديدة المعبّئة للطاقات، ومن يستغنِ عنها يستغنِ عن جزء من الحديث الصحيح المشهور عن تغيير المنكر.
لا يعني ذلك أن نقول للقادرين على صنع ما هو أبعد من الكلمة ألاّ يصنعوه، ولكن يعني فيما يعني ألاّ نطالب غير القادرين على ذلك (الآن) أن يصنعوا ما لا يستطيعون صنعه، ففي ذلك تثبيط للهمم بدلا من تحفيزها، ونشر للتشاؤم من إمكانات التغيير المتوفرة بدلا من التفاؤل بها، إنّما المطلوب أن ندفع بعضنا بعضا إلى الإعداد، ليمكن لنا أن نصنع غدا ما لا نستطيع صنعه اليوم، ومن السبل إلى ذلك الكلمة الواعية الراشدة المرشدة.
إن الله عزّ وجل خاطب المسلمين بالكلمة وهم في مرحلة الهزيمة قائلا: (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) فلنخاطب المسلمين بالكلمة القرآنية وما تقتضيه من إعداد، ومن وجوه الإعداد، بل من أسسه الأولى ما يكون بالعلم، والتربية، والتوعية، والتخصص، وجميع ذلك ممّا لا غنى عن الكلمة لتحقيقه، فضلا عن الإعداد الواجب لمواجهة القوة بالقوة، والذي يمكن أن يكون، ويجب أن يكون، ولكن من المؤكّد أنّه لا يتحقق بمجرّد الحديث عنه والدعوة اللفظية المجرّدة إليه في منتديات ولقاءات، الأصل فيها هو حوار الكلمة، إنما له مواقعه الأخرى، وميادينه الأخرى.
نريد التغيير، ولكن يجب أن نستخدم جميع أسباب التغيير، قولا وعملا، ونريد النصر، ويجب أن نوجد له كافة أسباب النصر، فلنتعاون في ميدان الكلمة، ولا نغفل بإذن الله عمّا نستطيع في ميدان العمل والبذل والعطاء.
نبيل شبيب