العلويون ومستقبل سورية

حوار مكتوب مع جهة بحثية مطلع عام ٢٠١٥م

حوار

في إطار التعرف على التوجهات السورية لما بعد إسقاط بقايا النظام، أجرت جهة بحثية في مطلع عام ٢٠١٥م حوارا مع كاتب هذه السطور دارت أسئلته حول ما يعتبرونه من “المسائل الحساسة والساخنة”، واحتراما لرغبة الجهة السائلة لم يتم النشر في حينه، ولم يعد يوجد في هذه الأثناء ما يمنعه، مع ملاحظة أن الأجوبة هي عينها الأجوبة الممكنة لو جرى الحوار هذا اليوم.

السؤال الأول: هل تعتقد أن هناك فئة أو فئات تمثل مصالح السنة؟ ولماذا هذه الاختيار بالذات وكيف تمثل هذه المصالح؟ إذا لم تكن هذه الفئة موجودة فهل يجب أن يكون هناك مثل هذه الفئة؟ من ترشح لهذه الفئة؟

– لا يوجد، إلا في بلدان بأنظمة مارست سياسات أو انطلقت من أسس طائفية / إيران ولبنان والعراق.. وقد توجد أصوات تدعو إلى ذلك في سورية بعد أن مارس النظام الأسدي الطائفية، ولا أرى أن هذه الدعوات تخدم المصلحة العامة في مستقبل سورية.

– مصالح السنة العامة هي مصلحة (مواطنين) ولا يصح أن يكون تمثيلها خارج نطاق تمثيل المواطنة، أما الشؤون الدينية فمن الطبيعي أن يكون لكل فئة دينية من يرعى شؤونها الدينية المحضة وهذا مما يمكن أن يقرره الدستور، في بلد كسورية. والإسلام يفسح المجال لتعدد الاجتهادات فلا يوجد إلزام باجتهاد معين، إنما التمثيل الرسمي آنذاك يكون من أجل تقاطع الشؤون الدينية المحضة مع ما تقرره السياسات العامة في الدولة لا سيما في الشؤون الاجتماعية والعبادية، أما الإسلام فقد جعل جميع ما يتعلق بالإنسان وحقوقه وحرياته أمرا مشتركا بين المسلمين وسواهم، وهو ما يتلاقى مع تعبير المواطنة الحديث نسبيا.
أما من يمثل السنة دينيا فلا أرشح أحدا بعينه، ولست في مقام الترشيح، إنما هي مواصفات نصل إليها بالمنطق وكذلك عبر المعرفة بما يقرره الإسلام، مثل العلم الشرعي، والثقافة الحديثة الواسعة، والنزاهة، وأن يجد المرشح القبول ممن يريد تمثيلهم دينيا، وهذا معروف في النصوص الشرعية حتى في الشؤون التفصيلية مثل الإمامة في الصلاة.

السؤال الثاني: هل العلوية: طائفة، مجموعة سياسية أو مجموعة مصالح؟

العلويون في الأصل طائفة دينية، تأسست قديما، وانتسبت إلى الشيعة الجعفرية، ولكن ينكر علماء الشيعة نسبتهم إليها، للاختلاف على مشروعية محمد بن نصير النميري، الذي يعتبره العلويون من نواب المهدي في غيبته، وكذلك علماء السنة ينكرون انتسابهم للإسلام بسبب تفسيراتهم الباطنية للنصوص الشرعية، وهم يقولون عن أنفسهم إنهم مسلمون، ولكن هذا ما قاله البهائيون أيضا قبل أن يعلنوا رسميا أنهم ديانة قائمة بذاتها. الحكم الأسدي هو الذي تعامل مع سورية طائفيا، فجعل العلويين في سورية أقرب إلى الفئة السياسية مع ربط ذلك بتأمين استمرارية السلطة الأسدية.

السؤال الثالث: هل تعرف أية تقسيمات ضمن العلويين دينية أو عشائرية أو سياسية أو مصلحية؟

العلويون بصفتهم الدينية سبع فرق على الأقل، منها الجرانة أو الكلازية/ القمرية / الغيبية أو الحيدرية / الماخوسية / النياصفة. وتوجد تقسيمات عشائرية (النواصرة / الجهنية / الرسالنة / الياشوطية / الخياطية). انقسموا حديثا مع استعمار سورية، بين مؤيد لإقامة دولة علوية ومؤيد للوحدة السورية. سليمان أسد جدّ حافظ الاسد وسليمان المرشد الزعيم الروحي للمرشدية، أرادا “دولة علوية”، ومن أبرز من أيّد الوحدة الشيخ صالح العلي ويونس حمدان وأحمد ديب الخيّر وعلي ملحم رسلان ومنير عباس وإسماعيل هواش.

السؤال الرابع: هل العلويون مسلمون؟ هل هم شيعة جعفرية أم سنة أم غير ذلك؟

سبقت الإجابة

السؤال الخامس: هل كل العلويين مستفيدون من النظام؟ من هم غير المستفيدين؟ هل تعرف من يمثلهم؟

النظام الأسدي اعتمد على فريق كبير من العلويين فاستفادوا ولكن لم يعتمد عليهم جميعا ولم يعتمد عليهم فقط. يجب أن نقرر أن دين الاستبداد هو الاستبداد، ومن يتبعه حاليا لا يتبعه بسبب التوجه الديني بل التوجه الاستبدادي والمنفعة عبر الفساد. من أشهر من نكل بهم حافظ الأسد: محمد عمران، واغتاله لاحقا في لبنان، ومن أشهر الوطنيين المعارضين سابقا: الشاعر بدوي الجبل، ومن أشهر من اختلف حافظ الأسد معهم إلى درجة الاقتتال أخوه رفعت الأسد، ومن أشهر المعارضين العلويين للنظام الأسدي حاليا: منذر ماخوس. النظام علوي، العلويون هم النظام، هذا تعميم يضر بقضية سورية وتحريرها من الاستبداد والفساد، آل الأسد وآل مخلوف على سبيل المثال في مقدمة المسيطرين على مناطق العلويين كبقية مناطق سورية.

السؤال السادس: من هم المستفيدون؟ كيف تفرقهم عن غير المستفيدين؟ ماهي الأسئلة التي يمكن أن تقودك إلى هذا التفريق؟ هل كل علوي بالتعريف مع النظام؟

المستفيدون درجات، فالنظام اعتمد على توزيع المناصب العليا الحاسمة على أقرب الموالين له، وهذا أحد المعايير أو الأسئلة عمن يميز فريقا من المستفيدين عن سواهم. والنظام عمد أيضا على توزيع المكاسب المعيشية على عدد كبير من العلويين، ليضمن قاعدة أوسع لنفسه داخل نطاق الطائفة العلوية، ولكن صنع شبيه ذلك مع من يواليه من خارج نطاق الطائفة، فعائلة عبد الحليم خدام مثلا، أو بعض كبار التجار في دمشق وحلب، وجدوا معاملة متميزة في المجال المالي، ولكن لا يعني ذلك أنهم من المستفيدين الأساسيين، هذا من باب شراء الولاءات وليس من باب الاعتماد عليهم في صناعة القرار.

السؤال السابع: هل كل موظف علوي هو مع النظام؟

الموظفون يسري عليهم ما يسري على سواهم، في الوقت الحاضر يخشى المعارض على حياته وأهله إذا عارض النظام علنا، سواء كان علويا أم لم يكن. لا شك أن من يمسكون بمفاصل صناعة القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والاستخباراتي هم علويون مرتبطون بالأسد بقاء وسقوطا، هم والمقربون إليهم.

السؤال الثامن: هل كل موظفي الدولة مع النظام ويحاسبون كحسابه؟ ما هو الحد الأدنى للمحاسبة؟

رأيي الشخصي أن المحاسبة يجب أن تشمل على الأقل: قادة الأجهزة العسكرية والمخابراتية والاقتصادية والقضائية والمناصب الدينية الرسمية، سواء كانوا علويين أو غير علويين، أما من هم دون ذلك من الموظفين، فهنا لا تسري المحاسبة من حيث المسؤولية كجزء من النظام، بل وفق مبدأ كل نفس بما كسبت رهينة.

السؤال التاسع: هل النظام في سوريا علوي؟ هل يعني أنه متحيز للعلويين أم أن العلويين هم المستفيدون فقط؟ أم لأن بشار ومحيطه علوي؟

النظام كما أسلفت استبدادي فاسد. الاستبداد دينه والفساد ديدنه، من يواليه يستفيد، ومن لا يواليه يتضرر، غالب من يواليه ولاء حاسما هم من العلويين بسبب تركيزه عليهم لأنه منهم، وبعض من تضرر من العلويين لأنه لم يكن على ولاء مماثل، وهذا ما ذكرت بعض الأمثلة عليه من قبل. بهذا المعنى النظام استبدادي علوي من حيث القيادة متحيز للعلويين كمنهج تسلط مقصود، ولكنه ليس علويا محضا، ونعلم مثلا أنه توجد عائلات بأكملها من غير العلويين تمارس التشبيح وتدريب الشبيحة وإدارة ما يصنعون في مناطق عديدة كحلب مثلا.

السؤال العاشر: كيف تعرف مصطلح: “أيديهم ملوثة بالدماء”؟ الآمر والمنفذ أم الآمر فقط؟

هذا التعبير فضفاض، وليس مصطلحا قانونيا، وإقامة دولة القانون تعني تحديد المصطلحات القانونية، وربط تعريف العقوبة بتعريف الجريمة، مع مراعاة مسألة الأدلة، واختصاص القضاء، ومسألة النسبية بين العمل وعقوبته. ومن المعروف في علم القانون وتطبيقاته أن الجريمة الواحدة يمكن أن يكون من ورائها المدبر، والمخطط، والآمر بالتنفيذ، والمنفذ، والممول، والمحرض، والمؤيد، ولكن تختلف العقوبات حسب نوعية الاتهام، وبالتالي درجة المشاركة، وهذه قضية تخصصات تفصيلية قانونية، أما التعميم فيحول المحاسبة إلى فوضى خطيرة، وعمليات ثأر وربما ثأر مضاد، أي نقع في دوامة لا مخرج منها.

السؤال الحادي عشر: هل تعتقد أن كل العلويين مسؤولون عن المجازر في تدمر وحماة؟ التجريم العام والتجريم الخاص: هل تجرم كل العلويين أم فقط “من تلوثت أيديهم”؟

المسؤولون عن المجازر هم الأشخاص الذين دبروها ونفذوها، ولا تشمل المسؤولية سواهم إلا بقدر الإسهام في تبريرها أو التمويه المتعمد عليها أو التضليل عنها، وكل إسهام من هذا القبيل يقدر بقدره، فلا تعمم المسؤولية عن الجريمة الكبرى على جميع العلويين ولا على جميع من في السلطة. باختصار: تجب محاسبة من يثبت عليه قضائيا ارتكاب الجريمة، مع توافر شروط العدالة والنزاهة وآلياتهما، سواء كان موظفا أو لم يكن، وسواء كان علويا أم لم يكن، ما دامت جريمته مصنفة كجريمة يعاقب عليها القانون، ونحن نعلم بالأمثلة على ذلك من دول أخرى، كألمانيا ومن عمل في جهاز مخابرات شتازي حديثا أو الأجهزة النازية قديما.

السؤال الثاني عشر: هل تعتقد أن الحل التوافقي السياسي ممكن؟

الحل التوافقي السياسي، يكون بين طرفين أو أكثر من أطراف نزاع. في حالة سورية ليست الأزمة بين نظام ومعارضة، فلم تكن توجد معارضة واقعيا، ولم يتغير ذلك عبر ظهور معارضة سياسية تتحدث باسم الثورة، فحتى الآن لا يمكن اعتبار القصف بالبراميل المتفجرة مثلا أو استخدام الكيمياوي مثلا آخر شكلا من أشكال النزاع التي تقع بين طرفين وتحل توافقيا. ما يجري ثورة شعبية ومعارضة تواكبها، والثورات تاريخيا لم تنته بحلول توافقية. كذلك أحداث التغيير الحديثة كما كان مع سقوط الشيوعية، لم تنته بحلول سياسية توافقية. هذا لا ينفي أنه جرت اتصالات بين العاملين سياسيا، ولكن انتهت المسارات بعد الثورة أو بعد عملية تغيير سلطة سابقة، إلى محاكمة من مارس استبدادا أو تورط في فساد، ناهيك عن ارتكاب جرائم مباشرة، كما كان مثلا مع بينوخيت، أو زعماء صربيا.
أمر آخر: لا يوجد حتى الآن أي مؤشر حقيقي بمصداقية كافية لقابلية العمل من أجل ما يوصف بحل توافقي، والمقصود وقف القتال، والشروع في تحرك سياسي، لا أقول مؤشرات الوصول إلى حل، بل مجرد العمل الجاد من أجله عبر إجراءات مبدئية معبرة عن النوايا في هذا الاتجاه.

السؤال الثالث عشر: كيف سيكون شكل الحكومة عندها؟

هذا السؤال افتراضي، لا جدوى من إجابته. لا أستطيع الإجابة على افتراض مستقبلي، دون مؤشرات في اتجاهه، أعطني مؤشرات جادة، ليمكن لي كأحد الأفراد، أحد المواطنين التعبير عن رأي.

السؤال الرابع عشر: هل تريد أن يرحل الأسد مهما كان الثمن؟

ليست المسألة مسألة رحيل شخص الأسد، أو مجموعة أشخاص، إنما يجب أن ينتهي وجود النظام الاستبدادي الفاسد، ببنيته الهيكلية القائمة منذ عشرات السنين. أما الثمن فمدفوع سلفا من قبل الثورة، وتضاعف أثناء الثورة، ففقدت عبارة: “مهما كان الثمن” معناها على أرض ما جرى ولا يزال يجري على أرض الواقع. بالمناسبة الدولة ليست النظام، والتحذير من سقوط مؤسسات الدولة يفقد جدواه إذا كان المقصود به أجهزة مخابرات وقيادات عسكرية وسياسية، أما المؤسسات بمعنى البنية التحتية والمرافق والمنشآت العامة وإدارتها، فنحن نشهد كيف يجري تدميرها يوميا، وبالتالي أصبح الكلام بصدد الحفاظ على أجهزة المخابرات والقمع والقيادات العسكرية يعني على أرض الواقع تدمير البقية الباقية من الدولة.

السؤال الخامس عشر: ما هو الحد الأدنى من الأسماء التي يجب التخلص منها ومحاسبتها؟

بصدد الحد الأدنى من الأسماء، سبق أن أشرت إلى قيادات الأجهزة العسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية والقضائية والاستخباراتية، وهنا ليست المسألة عددية بل نوعية.

السؤال السادس عشر: ما هي الأسماء من وجهة نظرك التي يمكن أن تحل محل الأسد في رئاسة سوريا في حال تم الاتفاق على إبقاء أجزاء من النظام؟

ليس السؤال من يحل محل الأسد، فلا ينبغي إطلاقا أن يحصل أي فرد الآن أو مستقبلا على صلاحيات مطلقة كصلاحياته، حتى ولو قيل إنه إنسان جيد ولن يستخدم تلك الصلاحيات بالضرورة. مجرد امتلاكها يعني وجود استبداد، ولا توجد ضمانات لعكس ذلك، ولا يوجد في اعتقادي ما يسمى المستبد العادل. هذا تعبير متناقض مع نفسه، وأظنه من اختراع المستبدين ومن يمالئهم. المطلوب فور سقوط الأسد وجود قيادة جماعية وحد أدنى من الضوابط القانونية التوافقية لتوزيع الصلاحيات، لا أدري إذا كان الائتلاف في هذه الأثناء أصبح هو الجهة الأصلح لتحقيق مشروعية أكبر لتمثيل الثورة تمثيلا أوسع وأعمق، ويمكن أن يشمل ذلك بعض الأفراد من النظام الحالي، ولا أجد تعبير أجزاء من النظام تعبيرا مناسبا، أما من يمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص، فمرة أخرى أقول المفروض أن نتحدث عن مواصفات وليس عن أسماء بعينها. في هذا الإطار يجب على الائتلاف أن يعمل لتأمين قيادة جماعية وضوابط قانونية مؤقتة في الوقت المناسب، لفترة انتقالية بعد إسقاط النظام الأسدي، أما في الوقت الحاضر فتمثيل الائتلاف للثورة والشعب منقوص، ‎إنما لا توجد حاليا جهة أخرى أقرب إلى تمثيل السوريين منه.

السؤال السابع عشر: هل تعتقد أن العلويين يريدون إقامة دولة لهم؟ هل هذا يعني أن الحل هو القتال إلى النهاية؟ ما هي حدود هذه الدولة؟ الساحل فقط أم الساحل وبعض المناطق الداخلية؟

أعتقد أن الفئة الأسدية من العلويين تضع ذلك في حساباتها، ولا أستطيع التعميم على جميع العلويين، وإذا وجدوا أنفسهم -أي تلك الفئة- أمام نهاية سيطرتهم على سورية والمحاسبة على ما فعلوه حتى الآن، قد يحاولون إقامة دويلة، وآنذاك سيعملون لأن تشمل مناطق انتشار العلويين في الساحل وقرب حمص وفي اتجاه دمشق وربما أثاروا مشكلة إضافية في لبنان وفي جنوب غرب تركيا، وبالتالي لا أستبعد جولات أخرى من القتال والاقتتال في المنطقة.

نبيل شبيب

الاستبدادالتسلط الأسديالتعدديةالطائفيةالعلويونالفسادالنصيريةحوار