أصبح تحرير سورية من تسلّط العصابات الأسدية لحظة امتحان تاريخي للجميع دون تمييز؛ ولا يخفى ما تشهده هذه المرحلة الحاسمة من تسابق محموم للضغط على مجرى الأحداث في اتجاهٍ منحرف يمكن أن يتناقض مع الثورة وأهدافها.
إنّنا في حاجة إلى أقصى درجات الوعي واليقظة للحيلولة دون هذا الانحراف لخدمة مصالح ومطامع فردية أو أجنبية، سيان هل وصفت بالمصالح المشروعة كما يقال أو غير المشروعة، وسواء اتخذت شكل تدخّل أجنبي مدروس في لحظة الانتصار الوطني الحاسمة، أو اتخذت ترتيبات سياسية، علنية وخفية، يجري التخطيط المشبوه لها، والعمل لتنفيذها، بمعزل عن الثورة والثوار والشعب؛ ولا يتورع المشاركون فيها عن اعتماد المال ومواقع النفوذ خارج الوطن، لإطلاق محاولات اختطاف الثورة من الأيدي الشعبية التي صنعتها.
لقد أصبح خطر اختطاف الثورة خطرا كبيرا ماثلا للعيان، ولا يتحقق انتصار الثورة الأول إلا من خلال تحرير إرادة الشعب في سورية تحريرا ناجزا دون شروط أيّا كان مصدرها أو كان تعليلها.
لا ضمان لهذا الانتصار إلا بانتزاع زمام المبادرة، بأن يتحرّك صانعو الانتصار بأنفسهم وعبر المخلصين من الداعمين لثورتهم، خارج نطاق المساومات السياسية والحزبية التقليدية، على طريق الإعداد المحكم الفوري لضمان استمرارية الثورة على مسارها القويم، في لحظة سقوط بقايا النظام ومن بعد، ومن خلال اجتماع الكلمة إلى أقصى مدى ممكن، وتجنّب ما يثير المعارك الجانبية والانشغال بها عن تحقيق الهدف المحوري.
لا بد من التأكيد، على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية سورية، وطنية ثورية، تمثل الإرادة الشعبية لا الإملاءات الدولية، وتتشكل من رجال القانون والتكنوقراط وليس عبر المحاصصة الحزبية والطائفية.
انطلاقا مما سبق نطالب:
١- هيثم المالح، شيخ الحقوقيين السوريين، القاضي والمحامي المعروف، والملاحَق من جانب “نظام العصابات المتسلطة” على امتداد وجودها في السلطة، والمعروف بسيرته وموقعه المتميّز أثناء الثورة من لحظاتها الأولى، والمتميز بعدم انتمائه الحزبي السياسي إلى أي تنظيم، وبعدم تحيّزه طوال فترة حياته وطوال فترة الثورة الشعبية، إلى أي طرف من مكوّنات شعب سورية الواحد.. نطالبه بالشروع الفوري في المشاورات اللازمة لتشكيل الحكومة الانتقالية، ونطرح بين يديه عددا من المبادئ والقواعد الأساسية المقترحة في ختام خارطة الطريق هذه.
٢- وندعو ممثلي الثورة في أرض الوطن، من القوى العسكرية (كتائب الجيش الحر وقياداته الداخلية) والقوى الثورية الميدانية بمختلف تشكيلاتها الكبيرة والصغيرة، إلى الإعلان بمختلف الوسائل المتاحة لها، عن:
(١) تأييد هذه الخطوة لتشكيل حكومة انتقالية وطنية ثورية.
(٢) الإعلان عن منح الثقة لهيثم المالح، ومطالبته بأداء المهمة الكبيرة المطلوبة منه.
(٣) إعلان الالتزام بما تقرره الحكومة الانتقالية الوطنية في حدود ما يتم تثبيته من أسس ومبادئ لعملها.
٣- وندعو القوى السورية جميعا، السياسية وشبه السياسية، المنظمة عبر المجلس الوطني السوري خاصة والعاملة خارج نطاقه على وجه التعميم، بإعلان تأييدها لحكومة انتقالية وطنية يتمّ تشكيلها بهذه الشروط، وبالتعاون معها طوال الفترة الانتقالية.
٤- وندعو الدول العربية والإسلامية، عبر جامعة الدول العربية ومنظمة مؤتمر العالم الإسلامي، أن تقف موقف التأييد والدعم من الحكومة الانتقالية الوطنية السورية وفق هذه الشروط، وأن تساعد على نجاح المهمة التاريخية الملقاة على عاتقها، مع تجنّب أي شكل من أشكال الضغوط عليها، سيّان هل صدرت عن جهات إقليمية أو أجنبية.
٥- وندعو القوى الدولية في منظمة الأمم المتحدة، أن تعلن عن اعترافها الرسمي بالحكومة الانتقالية الوطنية في سورية، فور تشكيلها، وأن تعمل على تسهيل مهمّتها دون ضغوط أو شروط، وأن تتعاون مع من تعيّنه الحكومة الانتقالية لتمثيلها في الميادين الديبلوماسية وغيرها خلال المرحلة الانتقالية.
٦- ونتطلع إلى أن تتشكل الحكومة الانتقالية عبر ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: نواة الحكومة الانتقالية من رجالات القضاء والقانون، المعروفين بتخصصاتهم الحقوقية، بمسار حياتهم المهنية وعدم ارتباط أسمائهم وأعمالهم بحكومات التسلّط غير الشرعية في العقود الماضية.
الخطوة الثانية: تختار النواة الأولى فريقا من (التكنوقراط) المتخصصين في الميادين الأساسية للنهوض بالمهام المطلوبة من الحكومة الانتقالية، على ألاّ يكون من بينهم منتسب أو منحاز إلى أي اتجاه سياسي من الاتجاهات المعروفة بأحزاب المعارضة التقليدية أو أحزاب ارتبط اسمها بالحكم المتسلّط على الوطن والشعب خلال العقود الماضية.
الخطوة الثالثة: تشكل الحكومة الانتقالية خلال أسبوعين من الشروع في عملها، مجلسا استشاريا، وتقرّر مهامه وطريقة عمله، ويتكوّن من شخصيات اعتبارية معروفة شعبيا، ولا سيما بالثقة التي تتمتع بها في إطار المكوّنات الشعبية المناطقية الجغرافية، التي تنتمي إليها، وممثلين لا يتجاوز عددهم ثلث أعضاء المجلس الاستشاري، يتم اختيارهم من جانب الهيئات والتجمعات السياسية، المنظمة داخل المجلس الوطني السوري، والعاملة خارج نطاقه، بالإضافة إلى ممثلين عن رجال الأعمال السوريين المعروفين باستقلالهم عن الارتباطات السياسية.
ونرى الخطوط الكبرى للمهام الأولى للحكومة الانتقالية:
١- تأمين المقدمات الضرورية لترسيخ الدعائم الدستورية والتشريعية للدولة عبر (١) اعتماد دستور ١٩٥٠م في المرحلة الانتقالية مع مراعاة متطلباتها، و(٢) تشكيل هيئة دستورية وطنية تطرح (وثيقة مبادئ أساسية لعهد وطني جامع ودستور جديد) ويتم تثبيت مشروعية عملها من خلال استفتاء شعبي شامل على الوثيقة
٢- ضمان المنطلقات الأولية، الأمنية والقضائية، لتطبيق مبادئ العدالة والمحاسبة وحفظ الأمن وحماية الوطن من خلال أجهزة الدولة الدستورية لاحقا، وذلك بالتعاون مع القوى الثورية والكتائب الحرة في ضبط الأمن خلال المرحلة الانتقالية، والحيلولة دون استخدام السلاح خارج نطاق ما تقرّره القيادات المشتركة المؤقتة في المرحلة الانتقالية (من عناصر عسكرية وأمنية وسياسية) ووضع مخطّط متوازن للانتقال من الحالة الاستثنائية التي أوجدتها ضرورات الثورة إلى الحالة الدائمة التي تقررها متطلبات الدولة الدستورية
٣- أداء المهام الفورية الضرورية للنهوض بالأعباء المعيشية الأساسية في المناطق المنكوبة، بالتعاون مع اللجان الشعبية المشكلة على مستوى الأحياء، وعبر إعادة الحياة لشريان الحياة المدنية في مختلف القطاعات الأساسية بالتعاون مع المجالس المدنية المحلية.
٤- إعادة النظر في البنية الرسمية الهيكلية للدولة، وإدخال التعديلات الضرورية ضرورة قصوى، لضمان ارتباط عملها خلال المرحلة الانتقالية بالثورة وأهدافها.
ونستودع الله بلادنا وشعوبنا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب