ــــــــــ
رغم توقف العمل التنظيمي تحت عنوان “تيار العدالة الوطني-سورية” لأسباب عديدة، فقد استمر العمل على تحقيق الإنجازات التي بدأ تحقيقها عقب تأسيسه قبل انقضاء العام الأول على الثورة الشعبية التغييرية في سورية، وأبرزها “يوميات الثورة السورية” تحت إشراف الأمين العام للتيار د. محمد شادي كسكين، والتي وصلت مع حلول عام ٢٠١٨م إلى ٣٠٠ مجلد يبلغ حجم كل منها مئات الصفحات، توثق للأحداث والتطورات والمواقف يوما بيوم. كما أن الفكر الذي اقترن طرحه بتأسيس التيار لا يزال يجد تجاوبا حتى اليوم، ويزعم كاتب هذه السطور، الذي ساهم في تأسيس التيار، أنه لا يزال الفكر المناسب لجمع الجهود والصفوف المتعددة برؤاها ومناهجها، على متابعة العمل لتحقيق هدف التغيير، وهو جوهر أهداف الثورات الشعبية في بلادنا، بما في ذلك سورية، وهذا ما يدفع إلى نشر هذا النص للتعريف بالتيار، وكان قد نشر للمرة الأولى في مطلع عام ٢٠١٢م.
. . .
دون التهوين من شأن أي جهد يبذل لدعم الثورة وإقامة الدولة، ينبغي التأكيد أن تيار العدالة الوطني لم ينشا ليكون قطعة من فسيفساء ما ينشأ من تجمعات، بعد أن تعاقب أكثر من جيلين على أوضاع مرفوضة، أقل ما يقال فيها إنها تمثل عصر الانحطاط على كل صعيد، وهو ما لا يقتصر قطعا على ما مارسه الاستبداد والفساد -وإن كانا جذور البلاء- بل شمل مختلف جوانب الواقع القائم في مجتمعاتنا، داخل نطاق “هياكل” متسلطة عليها.
نخطئ خطأ كبيرا إذا استوعبنا أي ثورة من الثورات الشعبية، بما في ذلك الثورة الشعبية في سورية، أنها تنحصر في إسقاط الاستبداد وإقامة دولة دستورية. ونخطئ خطأ فادحا إذا تصورنا -تبعا لذلك- أن مهمة تيار العدالة الوطني محصورة في هذا الإطار فقط.
هي ثورات تغيير جذري شامل، من أعمق أعماق ما هو قائم وأسبابه وجذوره، إلى أبعد الآفاق المستقبلية التي يجب أن تكون ماثلة أمام أعيننا ونحن نخطو الخطوات الأولى على طريق طويلة، وتلك مهمة أجيال.
لقد تحولت حصيلة الاستبداد والفساد إلى أخطبوط تمتد أذرعه في كل ميدان من الميادين، فمن يقتصر عمله على مواجهة أحد أذرعه في ميدان منها، ولا يتكامل مع العمل على مواجهة الأذرع الأخرى، سيختنق عاجلا أو آجلا نتيجة مفعول ما أهمل مواجهته.
هل يمكن أن نصنع سياسة قويمة جديدة، دون مناهج تربية وتعليم وتوعية وإعلام جديدة؟
هل يمكن أن تقوم “وزارات” بمخططات قويمة، دون أن تستند إلى دراسات تسبر الواقع وتستشرف المستقبل؟
هل يمكن أن ينشأ قضاء مستقل عادل، دون أن توجد جامعات تتخذ من التخصص والبحث والكفاءة معايير في تسييرها إداريا وعطاءاتها علميا؟
هل يمكن أن نكافح الجوع والفقر والبطالة والتمييز الطبقي، دون أن نعلم كيف نرتفع باقتصاد بلادنا، جميع بلادنا، من الحضيض إلى القمة.. في عالم تتزاحم على قمته أمم عديدة وتكتلات ضخمة؟
هل يمكن أن نأمن على أنفسنا من قوات مسلحة وأجهزة أمنية في الدولة الوليدة الجديدة، ما لم تتحول الساحات الثقافية والفنية والأدبية والفكرية إلى منابع لترسيخ استيعاب مهام كل فئة من المجتمع الواحد وكل جهاز من أجهزة الدولة استيعابا تجعل الفرد حيثما كان قادرا على رؤية مصلحته الشخصية عبر تحقيق المصلحة العامة؟
جميع ذلك مهام، تنتظر من يعمل الآن لإيجاد الأرضية والمنطلقات كي نشرع في القيام بها في الوقت المناسب، وتنتظر أن يقترن هذا العمل بالذوبان الفردي والجماعي في بوتقة الثورة التي باتت أشبه بخزان طاقات يتفجر من أجل المستقبل، وليس من أجل تحطيم أغلال الماضي فقط.
هي مهام ضخمة، ولهذا نتحدث عن التغيير الجذري الشامل، لا عن مسائل فرعية، وإن كان بعضها مهما، بينما قد يكون الخوض في بعضها ضارا، لا يراعي أننا ورثناها عن عهد استبدادي فاسد، وبائد حتما. لقد تفجرت الآمال عبر الثورات ومنها ثورة شعب سورية الأبي، فأسقطت آخر السدود الضخمة التي حجزت الطاقات المكبوتة وراءها عشرات السنين، وانطلقت هذه الطاقات، فإما أن تصنع مستقبلا آخر، أو يجرفنا سيل التغيير جميعا ما بقينا أسرى مسائل جانبية عن قضية كبرى، ولا يجرف الأنظمة الاستبدادية المهترئة البالية فقط!
هي مهمة جليلة كبرى، متشعبة، طويلة الأمد، تتطلب من يرتفع بنفسه للعمل على مستواها والنهوض بتبعاتها وأعبائها، ويتحرّك مع الشعوب وبها إلى الآفاق البعيدة التي تتطلع الشعوب إليها أهدافا مشروعة واقعية ممكنة، وهي لا تحلم بها فحسب!
هي مهمة جليلة كبرى وقد تأسس تيار العدالة الوطني من أجل النهوض بها، وفي هذه الحالة فقط، لا نكون رقما من الأرقام أو قطعة في فسيفساء متعددة الألوان والأشكال.
قام تيار العدالة الوطني للنهوض بهذه المهمة الجليلة، مع التأكيد المطلق أنه لا يعتبر نفسه منفردا في الميدان، بل يريد أن يكون نموذجا لتلاقي الجهود مع الجهود والعطاءات مع العطاءات من وراء تعدد الانتماءات والتوجهات، فهذا ما نفهمه تحت كلمة “تعددية”.
قام تيار العدالة الوطني للنهوض بهذه المهمة الجليلة، وهي مهمة حضارية، وليست “سياسية” بل السياسة قطعة واحدة من القطع العديدة التي تتكون منها المهمة.
وهي مهمة ثقافية وليست “تنظيمية” بل تنظيم العمل تخطيطا مجرد وسيلة لتحقيق الهدف فإن تحول إلى هدف بحد ذاته، أصبح سجنا للطاقات وليس قوة تفجرها وتعمل على توظيف ثمراتها على طريق الغايات البعيدة.
قام تيار العدالة الوطني للنهوض بهذه المهمة الجليلة، الحضارية، ولهذا يستحيل أن يغفل عن بعديه العربي والإسلامي، قوميا وجغرافيا وحضاريا، وسياسيا واقتصاديا، وأمنيا وعسكريا، تاريخا وحاضرا ومستقبلا، في عالم، لا مكان فيه لمن ينفرد بنفسه فينعزل، أو من يغفل عن القضايا المشتركة بين الشعوب التي تكون أمته حضاريا، وتاريخيا، ومستقبلا، أو تمتنع عن الربط بين الإنسان في بلده ومنطقته والإنسان في عالمه وعصره، فتلك عزلة وتلك غفلة تؤديان إلى موت قضيته أيضا وليس إلى حمايتها وصيانتها بدعوى التركيز عليها!
ليس أداء مهمة جزئية -مثل التخلص من النعرات الطائفية التي صنعها الاستبداد الفاسد، رغم أهمية ذلك- هو ما قام من أجله تيار العدالة الوطني، وهو يثبت في شعاره أن الوطن منطلقنا، فهو البداية التي تحدد مواقع أقدامنا في ساعتنا التاريخية هذه، ساعة الثورة على ما مضى وبناء المستقبل، فتلك هي الواقعية، التي لا يتحقق مغزاها إلا بمقدار ما نستوعب أننا نتعامل مع معطيات “الواقع القائم” منطلقا من أجل تغييره وبناء “واقع آخر”.
ليس أداء مهمة جزئية هو ما قام من أجله تيار العدالة الوطني، وهو يثبت في شعاره، أن الإنسان غايتنا، وهو الإنسان السوري والمصري والفلسطيني واللبناني والأردني والليبي واليمني، هو الإنسان العربي والكردي والأمازيغي والباكستاني والتركي والإيراني، والمسلم والمسيحي، وكل إنسان ينتمي إلى هذه الدائرة الحضارية التي نشأنا في جذورها ويرتبط مستقبلنا بها، وهو أيضا جنس الإنسان بكل ما يوجد من قواسم مشتركة قويمة في الأسرة البشرية الواحدة، ومن يحصر نفسه في كلمة “الإنسان السوري” فقط يعزز من حيث يريد أو لا يريد التجزئة التي صنعها مبدأ “فرّق تَسُد” عبر العصور الاستعمارية والاستبدادية وراء بعضها بعضا.
ليس أداء مهمة جزئية هو ما قام من أجله تيار العدالة الوطني، وإن بدأ من سورية، فتلك بداية تنطق من واقع قائم، ولهذا أيضا جعل في شعاره: الإسلام منهجنا، فهو المنهج الشامل الذي يكرم بني آدم دون تمييز، ويقرر العدل للإنسان في كل حال وزمان ومكان، ويثبت الحقوق والحريات للبشر جميعا، وجميع ما يتجاوز ذلك يدخل في إرادة الفرد، فإما شاكرا، وإما كفورا، فليكن كما يشاء، يجد الحساب يوم القيامة كما يشاء خالقه، وأما في الحياة الدنيا فلا تمسه “عقوبة” إلا بمقدار ما يتعدى على سواه، فينال من كرامته أو حريته أو حقوقه، وذاك في صلب منهجنا، منهج الإسلام.
إننا أمام مهمة حضارية تاريخية جليلة، تتطلب الرواد الصادقين العاملين في ميادين الفكر والأدب، والسياسة والاقتصاد، والقانون والاجتماع، والرياضة والفن.. تتطلب روادا متفوقين -وليس منتجين فحسب- يحملون سواهم ولا ينتظرون سواهم، وإلا أصبحوا عبئا بدلا من النهوض بالأعباء الجسيمة.
فمن أراد المضي مع هذا التيار، على هذه الطريق، فلا بد أن يوطن نفسه على أداء مهمة جليلة، انطلاقا من موقعه الذي هو فيه، في قلب الثورة أو في قافلة إغاثة، يتحدى الرصاص أو يتحدى تسارع الليل والنهار ليسبق الزمن في عطاء علمي أو فكري أو أدبي، يدافع عن أهله ووطنه بجسده وتضحياته، أو يدافع عن مستقبل أولاد ضحايا ثورة شعبه وأحفادهم من خلال عمله لبناء مستقبل آخر، والحيلولة دون أي انتكاسة أو ردة عن هذا الطريق، وجميع ذلك يتكامل مع بعضه بعضا، والله يجزي من يشاء بما يستحق ويتفضل عليه كرما منه.
من أراد المضيّ مع هذا التيّار، على هذه الطريق، لأداء هذه المهمة الجليلة، فلا بد أن يعلم أن كل إنجاز يشارك في تحقيقه، يجب أن يكون متميزا، فكما أن هذا التيار لم ينشأ ليكون رقما من الأرقام أو قطعة من الفسيفساء، لا ينبغي أن نتصور بحال من الأحوال أن نقيم مركز بحوث، ويكون رقما من بين أرقام سبقت أو لحقت، أو نقيم حزبا سياسيا فلا يتميز عن سواه إلا بالاسم والعنوان، أو نؤسس مدرسة إبداع فني تكرر ما كان في عهد مضى ولا تستقطب المبدعين لجديد قادم.
لقد بدأ تيار العدالة الوطني هذه المسيرة، مستمدا طاقته الكبرى من معين طاقة ثورة شعبية بطولية لا مثيل لها في التاريخ، ولن يحقق أهدافها القريبة والبعيدة، إلا من ينهض لتحقيق تلك الأهداف بجهود جبارة غير مسبوقة.
وليس لطاقة الإنسان الفرد حدود، إلا ما يضعه بنفسه لنفسه، وذاك من مشيئة الخالق الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم.
ولا يقيد عطاء الإنسان الفرد قيد، قدر الأغلال التي يصنعها بنفسه لنفسه> وذاك مما جعل هوى النفس أخطر الأصنام التي تعبد من دون الله عز وجل.
. . .
للتذكير، هذه كلمات موجزة نشرت مع الخطوات الأولى لتأسيس تيار العدالة الوطني – سورية
تيار العدالة الوطني
تيار سوري بأبعاد تمتد جغرافيا عربيا وإسلاميا
تيار جيل الشبيبة والثورة، يتطلع إلى التواصل على مستوى الأسرة البشرية أيضا
تيار يقوم على جهود جيل الشبيبة والثورة، دون إرث تنظيمي أو انتمائي سابق
تيار يصنع القرار فيه هذا الجيل، ويحتضنه كل ذي معرفة وخبرة من المخلصين من جيل سبق على طريق العمل من أجل الحرية والكرامة والعدالة.
تيار العدالة الوطني
تيار العدالة في جميع الميادين في الحياة البشرية
تيار الوطن بجميع انتماءاته الشعبية وترابه الجغرافي
تيار سوري مفتوح لجميع المواطنين دون استثناء
تيار يتبنى المنهج الإسلامي بأبعاده الحقوقية والإنسانية المقررة للإنسان من وراء جميع الانتماءات
تيار الكرامة كرامة بني آدم كرامة الإنسان جنس الإنسان
تيار العدالة للناس جميعا دون استثناء في العلاقات الداخلية والخارجية
تيار الحرية لكل فرد، من ذكر أو أنثى، وكل صاحب انتماء دون تمييز، فالجميع ولدتهم أمهاتهم أحرارا
تيار الحقوق، الحقوق الدستورية المكفولة بمواد غير قابلة للتعديل والتبديل، لجميع المواطنين وجميع الفئات الشعبية.
تيار العدالة الوطني