يتابع الرئيس الأمريكي جو بايدن استطلاعات الرأي والاحتجاجات الطلابية ويرصد كيف تتدهور شعبيته وشعبية حزبه، بسبب سياساته وممارساته ضمن حرب إبادة شعب فلسطين وتصفية القضية. وكلما جدّ جديد بهذا الصدد سارع بايدن مع أعوانه في الإدارة الأمريكية إلى محاولة امتصاص الغضب ببعض التصريحات التي لا تقدم ولا تؤخر، بل لم تغير حتى الأجواء العامة حول الحرب الجارية، ناهيك عن وقف سيل الدماء ومسلسلات التدمير الشامل وتراكم ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية.
ولكن الأهم من ذلك كله عند بايدن هو أن تصريحاته تلك لم تخفف من تسارع تهاوي شعبيته وبالتالي تهاوي نسبة التصويت المنتظرة لصالحه وصالح حزبه في انتخابات قريبة. هذا على الأرجح ما يفسر أنه في هذه المرة، مع مطلع الشهر الثامن للحرب الجارية، رفع من حدة التصريحات لهجة ومضمونا، وقرنها بإجراءات عملية لذر الرماد في العيون، عبر الحد من شحن بعض أنواع الأسلحة الفتاكة إلى ساحة العدوان الهمجي على فلسطين وأهلها، بل وعلى قضايانا جميعا، وعلى من بقي لديه شيء من الشهامة والكرامة والعزة عبر انتساب وطني أو قومي أو إسلامي أو إنساني.
ولعل الخبراء في شؤون التسلح والحرب يقدّرون أن ما تشمله تلك الإجراءات لا يمثل على الأرجح أكثر من واحد في المائة من حجم ما يتدفق من آليات التسلح الهمجي وقوته الضاربة التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية عبر الربيبة الصهيونية الإسرائيلية في الحرب الهمجية الجارية.
إن التعامل مع نبرة التصريحات الجديدة والإجراءات المرافقة لها، لا يستقر على صيغة مجدية دون التخلي عن رؤية تفصل بين طرف أمريكي وآخر صهيوني إسرائيلي، والتركيز بدلا من ذلك على رؤية ما تعنيه العلاقة العضوية الاندماجية بين الطرفين، وعدوانية الموقع الأمريكي من الأصل تجاه قضية فلسطين تحديدا، في نطاق العدوانية تجاه المنطقة العربية والإسلامية برمتها، هذا مع التشبث الأمريكي بموقع السيطرة الانفرادية عالميا، والتشبث بالهيمنة المادية العنصرية على مستوى الأسرة البشرية وحضارتها الإنسانية، والعمل لتجريدها من المبادئ والقيم والأخلاق.
خلال قرن من الزمن أو أكثر، من قبل النكبة الأولى ومن بعد، لم ينقطع انتظار غالبية نخبنا السياسية والفكرية لتحوّل ما في السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين وسواها، لتصبح سياسة منصفة أو حيادية، ناهيك أن تكون منحازة للحق والعدالة، ولم يكن ذلك الانتظار مجديا، جملة وتفصيلا، وآن الأوان أن يكون منظورنا لقضايانا وأهلنا وبلادنا ولقضايا الإنسان وحقوقه وتحرره، منظورا ذاتيا ليكون مجديا، وهذا في صلب ما يعنيه استيعاب ما يعنيه طوفان الأقصى وتداعياته.
وأستودعكم الله خالق الإنسان في أحسن تقويم، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب