رأي
يبدو أن الهيمنة الفرنسية في إفريقية تتراجع في جولة بعد أخرى، وأن هذا وصل إلى النيجر التي بقيت لفترة طويلة معقلا رئيسيا ومؤثرا جغرافيا في مجموع منطقة الهيمنة الفرنسية. ولهذا يطرح السؤال نفسه: هل هو مجرد التضامن مع فرنسا ما تعبر عنه بيانات الإدانة والتهديد والوعيد، تجاه الانقلابيين، على ألسنة المسؤولين من بلدان إفريقية أخرى ومن جميع القوى العالمية الأوروبية والأمريكية، وحتى روسيا!
وإذا كانت المواقف الرسمية في كثير من البلدان الإفريقية صورة معبرة عن تأثير الهيمنة الفرنسية عليها، فأين غاب مفعول ما يقال عن تنافس فرنسي أمريكي وتنافس غربي روسي في النفوذ وبالتالي في استغلال ثروات القارة الإفريقية؟
لا يعني هذا بالضرورة أن الانقلابيين ضد الرئيس النيجري محمد بازوم تحركوا خارج لعبة الهيمنة الفرنسية، ولكنهم أكثر تعبيرا عن التطلع نحو الاستقلالية من النفوذ الفرنسي، فهو منذ استلم الرئاسة سنة ١٩٢١م بمنزلة الحليف الأقوى إقليميا لصالح فرنسا، وأصبحت خسارته في النيجر مؤشرا إضافيا على الخلل في توازن مرتكزات الاستغلال المادي، عبر شركات فرنسية تأكل الأخضر واليابس تحت المظلة السياسية والعسكرية الفرنسية والأوروبية.
بالمقابل يبلغ حجم صادرات النيجر من اليورانيوم وحده، وعبر فرنسا بالذات، خمسة في المائة من حجم الإنتاج العالمي، وتغطي فرنسا من خلال ذلك ربع واردات الاتحاد الأوروبي بمجموعه.
لهذا ولأسباب مشابهة فإن ما يصيب فرنسا يصيب البلدان الغربية الشريكة معها في استغلال الثروات الإفريقية وهذا ما لا يواريه تكرار تركيز الحديث الإعلامي والسياسي على حرب تدور منذ سنوات وسنوات ضد “الإرهاب”، مما يجعل التنويه بذلك الآن يفقد مصداقيته ولو قيل -كمثال- من جانب جريدة لوموند الفرنسية المرموقة، التي كتبت تقول يوم ٢٨ / ٧ / ٢٠٢٣م: (إن الأحداث في النيجر قد تغير التوازن في منطقة الساحل الإفريقية بشكل لا يخدم الغرب الذي يتخذ من البلاد مركزاً لمحاربة المتطرفين في المنطقة).
ولا يستبعد بالمقابل أن يجد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون نفسه مضطرا لتقديم تنازلات من قبيل ما سبق وأعلن عنه كلاميا على الأقل، مثل خفض الوجود العسكري في إفريقية، وتحويل القواعد العسكرية الفرنسية إلى أكاديميات، والتركيز على مشاريع التنمية والاحتياجات الإنسانية، وغير ذلك، في إقرار غير مباشر بعدم تنفيذ ذلك في العقود الماضية. على جميع الأحوال يمكن القول إن المؤشرات الحالية في إفريقية جنوب الصحراء تؤكد أنها ستقف على قدميها آجلا أو عاجلا.
وبهذا أستودعكم الله وأستودعه الشعوب الإفريقية ومستقبلها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب