جولة النيجر مع فرنسا والغرب

استغلال غربي لثروات اليورانيوم والذهب

رأي 

يبدو أن الهيمنة الفرنسية في إفريقية تتراجع في جولة بعد أخرى، وأن هذا وصل إلى النيجر التي بقيت لفترة طويلة معقلا رئيسيا ومؤثرا جغرافيا في مجموع منطقة الهيمنة الفرنسية. ولهذا يطرح السؤال نفسه: هل هو مجرد التضامن مع فرنسا ما تعبر عنه بيانات الإدانة والتهديد والوعيد، تجاه الانقلابيين، على ألسنة المسؤولين من بلدان إفريقية أخرى ومن جميع القوى العالمية الأوروبية والأمريكية، وحتى روسيا!

وإذا كانت المواقف الرسمية في كثير من البلدان الإفريقية صورة معبرة عن تأثير الهيمنة الفرنسية عليها، فأين غاب مفعول ما يقال عن تنافس فرنسي أمريكي وتنافس غربي روسي في النفوذ وبالتالي في استغلال ثروات القارة الإفريقية؟

لا يعني هذا بالضرورة أن الانقلابيين ضد الرئيس النيجري محمد بازوم تحركوا خارج لعبة الهيمنة الفرنسية، ولكنهم أكثر تعبيرا عن التطلع نحو الاستقلالية من النفوذ الفرنسي، فهو منذ استلم الرئاسة سنة ١٩٢١م بمنزلة الحليف الأقوى إقليميا لصالح فرنسا، وأصبحت خسارته في النيجر مؤشرا إضافيا على الخلل في توازن مرتكزات الاستغلال المادي، عبر شركات فرنسية تأكل الأخضر واليابس تحت المظلة السياسية والعسكرية الفرنسية والأوروبية.

هنا لا يدور الحديث عن ثروات النيجر فقط، بل هي الخشية من تساقط تلك المرتكزات بالعدوى في بلد بعد بلد، تحت تأثير السخط الشعبي المتزايد، كما ظهر في تشاد ومالي وبوركينا فاسو وغيرها ضد فرنسا وأعوانها، فرغم استغلال ثروات اليورانيوم والذهب والفحم، وحديثا النفط والغاز في النيجر تخصيصا، لا يزال سكان هذا البلد الإفريقي يعانون من الفقر والبؤس على نطاق واسع، إلى درجة أن النيجر تحتل المرتبة ١٧٤ في حضيض سلم الفقر عالميا.

بالمقابل يبلغ حجم صادرات النيجر من اليورانيوم وحده، وعبر فرنسا بالذات، خمسة في المائة من حجم الإنتاج العالمي، وتغطي فرنسا من خلال ذلك ربع واردات الاتحاد الأوروبي بمجموعه.

لهذا ولأسباب مشابهة فإن ما يصيب فرنسا يصيب البلدان الغربية الشريكة معها في استغلال الثروات الإفريقية وهذا ما لا يواريه تكرار تركيز الحديث الإعلامي والسياسي على حرب تدور منذ سنوات وسنوات ضد “الإرهاب”، مما يجعل التنويه بذلك الآن يفقد مصداقيته ولو قيل -كمثال- من جانب جريدة لوموند الفرنسية المرموقة، التي كتبت تقول يوم ٢٨ / ٧ / ٢٠٢٣م: (إن الأحداث في النيجر قد تغير التوازن في منطقة الساحل الإفريقية بشكل لا يخدم الغرب الذي يتخذ من البلاد مركزاً لمحاربة المتطرفين في المنطقة).

وليس سهلا على الدول الغربية التي دعمت الوجود العسكري لفرنسا في إفريقية، أن تضاعف الدعم لمواجهة المتغيرات الجارية، إنما قد تنجح في خوض المعركة في حرب بالنيابة، أي من خلال تجييش أنظمة الدول الأعضاء في منظمات إفريقية تحت مظلة فرنسية وغربية، كمجموعة إيكواس، والتكتلين الاقتصاديين: الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقية، والمنطقة النقدية لغرب إفريقية.

ولا يستبعد بالمقابل أن يجد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون نفسه مضطرا لتقديم تنازلات من قبيل ما سبق وأعلن عنه كلاميا على الأقل، مثل خفض الوجود العسكري في إفريقية، وتحويل القواعد العسكرية الفرنسية إلى أكاديميات، والتركيز على مشاريع التنمية والاحتياجات الإنسانية، وغير ذلك، في إقرار غير مباشر بعدم تنفيذ ذلك في العقود الماضية. على جميع الأحوال يمكن القول إن المؤشرات الحالية في إفريقية جنوب الصحراء تؤكد أنها ستقف على قدميها آجلا أو عاجلا.

وبهذا أستودعكم الله وأستودعه الشعوب الإفريقية ومستقبلها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

إفريقيةالنيجرفرنسا
Comments (0)
Add Comment