تحليل
لم ينقطع توالي مشاهد العلاقات الأمريكية – الإيرانية بين التعاون والدعم حينا والضغوط والحصار حينا آخر منذ عهد الشاه، سيان من يجلس في كرسي الرئاسة من جمهوريين وديمقراطيين، ولم ينقطع توظيف كل مشهد من المشاهد المتقلبة لتحقيق أهداف الهيمنة الأمريكية المحضة، وأهداف تكاملها الاندماجي مع مشروع الهيمنة عبر الأداة الصهيونية، في الساحة الإقليمية لا سيما في دول الخليج العربية.
وقد كانت هذه الهيمنة على الدوام ولا تزال عدوانية، تستهدف تأبيد رباعية الاستبداد والفساد والتخلف والتفرقة في بلادنا العربية والإسلامية، ولا يتزعزع هذا الهدف الثابت وإن تبدلت الوسائل والأساليب مع تبدل المسؤولين والظروف والمعطيات، وقد تصل إلى درجة توظيف الإرهاب والحرب على الإرهاب وتوظيف المعاناة الإنسانية حتى في حالة تخفيف بعض جوانبها دون استئصال أسبابها.
لهذا لا بد من التساؤل عن جدوى محاولات بعض المخلصين أن يستخرجوا فائدة ما لصالح قضايانا المشروعة من مشهد تصعيد الحصار الأمريكي بأسلوب ترامب ضد إيران، ومن ذلك في نطاق قضية سورية بدعوى قصقصة أجنحة إيران، لا سيما الميليشيا الإرهابية التابعة لها، وهي التي تغولت في حلقة سابقة من مشاهد التعاون حينا والحصار حينا، ثم لم ينتشر الحديث عن مواجهة إيران إلا مع التوهم الأمريكي بأن التحرك المضاد لتحرير الإرادة الشعبية قد بلغ مداه.
ثم هل يمكن أن يفصل أحد مهما بلغ به الخيال بين تصعيد الحصار وبين ما يجري تمهيدا لجولة جديدة من أجل تصفية قضية فلسطين (والتصفية مستحيلة) واستكمال بيع الجولان بلا ثمن (والصفقة غير مشروعة أصلا) وفتح الحدود الخليجية وغيرها تحت عنوان صفقة القرن، والواقع أن دول الخليج نفسها مستهدفة من أعمق أعماقها، فما أسخف التوهم أن تصعيد الحصار ضد إيران يأتي لخدمة دول الخليج (والدول والأوطان أكبر من الأنظمة أيا كانت)؟
لعل المستهدف أكثر هو تركيا المتمردة على الهيمنة الأمريكية، ولكن تصعيد الحصار لا يمثل سوى جانب واحد من ميادين استهداف تركيا من الداخل والخارج، من قبل إخفاق محاولة الانقلاب سنة ٢٠١٦م وحتى الآن، ولو زالت إيران من الوجود جغرافيا لما انقطع هذا الاستهداف الأمريكي لتركيا، إذ يستند إلى معطيات أكبر شأنا من إيران نفسها.
يوجد من يلتقط جزءا من المشهد لا سيما ما يتعلق بالمشروع الإيراني في سورية، فيدعو إلى تأييد العدو الأمريكي تجاه إيران، ويمضي إلى أبعد من ذلك إذ يعتبر تصعيد الحصار خطوة أولى باتجاه توافق أمريكي – روسي على “حل سياسي” في سورية يشمل تغييب رأس العصابة المتسلطة عليها.
على افتراض حل الأزمة هل في ذلك أي عنصر فاصل بشأن تحرير إرادة الشعب وتحرير الوطن وتحرير السيادة وجميع ذلك هو ما كان ثمنه باهظا ولا يزال دفعه مستمرا من قبل اندلاع ثورة ٢٠١١م؟
هذا جدل لا علاقة له بالثورة وأهدافها وعلى رأسها هدف التغيير الجذري الفعلي للأوضاع، ولكنه جدل يحسب المشاركون فيه أنهم يلبسون لباس الواقعية بمفهومها الأمريكي النفعي، والواقع أنهم يجعلون من أنفسهم أداة لتنفيذ الغايات الأمريكية التي تنطلق فعلا من تلك الواقعية النفعية ولا تأبه بالشعوب وإرادتها ولا بتوازن المصالح المشروعة وتكاملها.
ثم إن مسار الثورة شهد مرارا ممارسة صيغة التسليم الواقعية هذه، المقلوبة رأسا على عقب، دون أن تفضي في أي ميدان من الميادين إلى تحقيق هدف كريم من الأهداف الشعبية والثورية، فإلى متى يتكرر الوقوع في حفرة بعد حفرة بذريعة واقعية استسلامية تقول: لا نستطيع فعل شيئا آخر؟
الواقع أن الحد الأدنى للفعل السياسي في حالة العجز هو عدم المشاركة في ترسيخ العجز وتعميمه ناهيك عن اتخاذ خطوات ومواقف تزيد من مخاطره ما بين الحسكة والجولان وما بين إدلب وما حولها وقاعدة التنف.
وختام جدل المجادلين: أين البديل؟
يستحيل العثور على بديل عندما يطرح السؤال بصيغة جدلية استنكارية تعطي الجواب مسبقا على لسان السائل نفسه وفي واقع ممارساته أنه لا يوجد بديل.
يبقى على الأقل الحد الأدنى الذي يتمثل في رفض الممارسات الإيرانية والممارسات الأمريكية وكل ممارسة تتناقض مع أهداف تحرير الإرادة والأوطان، والتركيز على طريق التغيير بالتلاقي على الأهداف الشعبية الذاتية وليس على فتات مشاريع الهيمنة الإقليمية والدولية.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب