خواطر
هل تغير الحرب الروسية خارطة العلاقات الدولية إلى درجة تبيح الحديث عن حقبة جديدة؟
وعلى افتراض حدوث ذلك، هل يتغير شيء في قواعد اللعبة أي أساليب تعامل القوى الدولية مع قضايا تهم “الإنسان” فيما يسمونه العالم الثالث، بدءا بمكافحة الجوع والجهل والمرض والقحط والتخلف، انتهاء بما نسميه قضايا ساخنة بين الحق والباطل، بمعنى انتهاك حقوق الإنسان في مثل قضايا فلسطين وكشمير ووسط آسيا وما أضيف إليها عبر التحرك المضاد لثورات تحرير إرادة الشعوب الثائرة؟
إن التعميم في التحليلات السياسية النخبوية للأحداث الجارية بات يركز على ما يتراجع أو يتقدم من مصالح أو مطامع القوى الدولية المهيمنة عالميا، ويغفل عن واقع الإنسان فيما سوى ذلك، وما يصيب مصالحه الوجودية في الصميم، وحقوقه الأساسية على كل صعيد، سيان هل تحقق الحرب الروسية أهدافها أم لا، وهل تنجح القوى الغربية أم لا تنجح في الظهور بمظهر الحرص المزيف على الإنسان والحقوق والعدالة أم لا، ثم هل تظهر خارطة جديدة أم لا تظهر على صعيد الصراعات الدولية مع مشاركة الصين في رسمها؟
لكن علام يبقى تركيز المحللين السياسيين في بلادنا بصورة خاصة على البحث عن الرابح والخاسر دوليا، ولا نرصد إلا نادرا التركيز على مصائر شعوب وقضايا ومناطق إقليمية كبيرة، حيث لا يكاد يشمل التغيير المحتمل شيئا من الواقع القائم منذ الحرب العالمية الثانية، على حساب الطرف الأضعف بسبب الهيمنة على صناعة القرار باسمه وضد مصالحه، عن طريق أنظمة استبدادية متسلطة محليا وعن طريق علاقات هيمنة استبدادية متسلطة دوليا.
سبق طرح تنبؤات بتبدل حالة ما يسمى النظام الدولي، كالتي كانت تقول بعودة الحرب الباردة، وتراجعت عن ذلك، ويتكرر هذا حاليا عبر متابعة الخلافات الساخنة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، والثابت أنه سواء عادت الأوضاع العالمية إلى خارطة الحرب الباردة أم لم تعد، فما يدور على ساحة الصراع الدولي جولة ساخنة في أوكرانيا، وساخنة في مسارات اقتصادية ونقدية عالمية، وربما تفاوتت درجة السخونة على جبهات تقليدية، تستدعي إدراك الاختلاف داخل الغرب على الأهداف والوسائل، وازدياد مظاهر الانشقاق الأمريكي الأوروبي، بل الأوروبي الأوروبي أيضا. ولكن جميع ذلك سبق أن حدث ولم يتغير جوهر قواعد اللعبة فيما يوصف بالنظام العالمي.
إن النظام العالمي يكون نظاما بقدر ما يقوم على دعامات ثابتة تعطيه طابع الاستقرار وتمنع من الصدامات والحروب والمواجهات وألوان أخرى من الصراعات الساخنة ماليا ونقديا واقتصاديا، ومثل هذا النظام لم يوجد منذ الحرب العالمية الثانية، إلا على ألسن السياسيين المراوغين في المعسكرين الشرقي والغربي، وفي أوراق المحللين السياسيين وفق درجة اقتراب أفكار كل منهم من هذا المعسكر أو ذاك.
لا ينبغي أن نواري قصورنا في التعامل مع قضايانا والقضايا الدولية في وقت واحد، وهذا مع كل التقدير للاهتمام الشعبي الكبير تجاه ما يجري في أكناف بيت المقدس، وفي الساحة الهندية، وفي تركستان الشرقية، ولكن نحتاج أيضا إلى اهتمام النخبة السياسية والفكرية والإعلامية كي تطرح نظرة تحليلية واقعية ومنطقية، تربط بين الأحداث الدولية وما قد تسفر عنه، وبكيفية تطوير تعاملنا مع الأحداث الجارية في بلادنا وبين أيدينا، بما فيها ما يتعلق بتحرير إرادة الشعوب في تونس ومصر وفي سورية واليمن وفي ليبيا والجزائر وغيرها.
إن في مقدمة ما تؤكده المتغيرات الدولية الجارية، هو أن علاقتها بقضايا الإنسان في بلادنا العربية والإسلامية وفيما يسمى العالم الثالث، لن تتبدل عبر تلك المتغيرات، بل قد يتغير ذلك بقدر ما نحرر أنفسنا أفكارا وأطروحات وعلاقات بين بعضنا بعضا، كي نتعامل مع الأحداث ومع القوى الدولية من منطلق ذاتي مشترك، يعطي الأولوية لموازين المصالح الذاتية والأهداف الذاتية المشروعة.
وإلى لقاء قادم أستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب