أقدمت جماعة الإخوان المسلمين في سورية على خطوة هامة في لحظة اختيرت بعناية، فمخاطر تفتت القوى المجتمعة في المجلس الوطني السوري كبيرة، وتداخلت المساعي المبذولة للتلاقي على أرضية وطنية مشتركة، وشملت الأجنحة المسلّحة حول الجيش الحر، والقوى الثورية حول الهيئة العامة للثورة السورية، والعديد من الأفراد والفئات التي توصف بالناشطة والمعارضة، خارج نطاق المجلس الوطني.
ملاحظتان على العهد والميثاق
١- في “العهد والميثاق” الذي صدر رسميا يوم ٢٥/ ٣/ ٢٠١٦م تتبنّى الجماعة بصيغة موجزة جديدة عددا من الأسس التي تعاهد على الالتزام بها في تثبيت ملامح الدولة الجديدة في سورية، وسبق أن أصدرت ما يشابهها مرتين، في عامي ٢٠١١و٢٠٠٤م، إنّما أبرزت في الصياغة الجديدة “المختصرة” بقوّة سلسلة من المصطلحات والمفاهيم التي طالما بقيت موضع جدل من المنطلق الإسلامي، كالدولة المدنية، وغيّبت مصطلحات ومفاهيم أخرى كانت موضع جدل من المنطلق العلماني، كالمرجعية الإسلامية والشريعة الإسلامية، وهو ما أثار التساؤل: هل تتبنّى الجماعة الآن صيغة “الدولة المدنية بمرجعية علمانية” على غرار ما يقال عن تركيا وتدعو إليه الدول الغربية والأطراف العلمانية السورية.. أم أنّ عدم النص صراحة على ذلك يعني وضع مسألة “المرجعية” للدولة المدنية موضع “نقاش” مستقبلي، مع تحكيم إرادة الشعب في اختيار المرجعية التي يريد؟
٢- جماعة الإخوان المسلمين فصيل رئيسي في المجلس الوطني، وهي في الوقت نفسه فصيل رئيسي في “الملتقى الإسلامي” الذي تأسّس مؤخرا، فما الذي يدفع إلى طرح “رؤية قائمة بذاتها” لملامح الدولة بمعزل عن الشركاء “العلمانيين” في المجلس الوطني (والمستقلين خارج نطاقه) وبمعزل عن الشركاء الإسلاميين في الملتقى الإسلامي (والمستقلين خارج نطاقه) وهذا بغض النظر عن عدم الرجوع إلى القوى الرئيسية من الفعاليات الثورية العاملة داخل الوطن والقريبة منها خارج الحدود، وفي مقدّمتها الهيئة العامة للثورة السورية، وما يعرف بالحراك الثوري في المجلس الوطني؟
تساؤلات حول “العهد والميثاق”
١- جاء في نص “العهد والميثاق” وفي بعض التعليقات المبدئية عليه ذكر “التطمينات” المقصودة للجهات الأخرى، وهو ما يعني القوى الدولية عموما والمعارضة العلمانية السورية، والسؤال الذي يطرح نفسه أمام تحرّك الجماعة شوطا كبيرا في إصدار نصّ يستجيب بصورة شبه كاملة لما تطالب به تلك الجهات: هل سيتجاوب “الآخر” مع هذا الطرح ويمتنع عن المطالبة بالمزيد، أو يمتنع عن التشكيك؟
٢- وجاء في مقدمة النص التأكيد أن الجماعة تنطلق (من مبادئ ديننا الحنيف..) وليس مجهولا أن كثيرا ممّا ورد من مصطلحات “حديثة” في النص سبق لجهات إسلامية حركية وفكرية عديدة أنّ أصّلت له من المنطلق الإسلامي، كالمواطنة والديمقراطية، والسؤال الذي يطرح نفسه أمام تحرّك الجماعة شوطا “أكبر” على صعيد مصطلحات أخرى: هل ستتحول “ساحة الجدل” من جبهة إسلامية-علمانية على الصعيد السياسي الفكري، إلى جبهة إسلامية-إسلامية على الصعيد السياسي الاجتهادي؟
٣- وجاء في المقدمة وصف العهد والميثاق بأنه “رؤية وطنية” و”أساس لعقد اجتماعي جديد”.. وفي بعض البنود العشرة إشارات إلى الإرادة الشعبية.. في إطار توافق وطني، وإلى انتخابات.. لممثلي الشعب والسلطة الحاكمة، كما وردت عبارات بصياغة قابلة لأكثر من تأويل بصدد تحرير الجولان وحقوق شعب فلسطين، والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الهدف المحوري للثورة الشعبية هو تحرير الإرادة الشعبية تحريرا ناجزا، فما الذي يصحّ تثبيته قبل وصول الثورة إلى هدفها هذا وما لا يصح تثبيته، أو بتعبير آخر: هل يمكن أن يقتصر تحرير إرادة الشعب على تمكينه من “اختيار السلطة” دون “اختيار المرجعية” ودون الرجوع إليه فيما يجري تثبيته من “قواسم مشتركة عبر توافق وطني” عندما يدور الحديث عنه دون تحكيم إرادة الشعب في حصيلته، أي الحديث عن تثبيته قبل وصول الثورة إلى هدفها المحوري؟
. . .
رغم الملاحظات والتساؤلات يبقى أن هذه المبادرة الصادرة عن جماعة الإخوان المسلمين، مبادرة جديرة بالتأييد لتكون “مادة للحوار” بين مختلف القوى الوطنية، لا سيما القوى الوطنية الثائرة التي صنعت في واقع سورية معطيات جديدة، لا ريب في أنها هي التي ستصنع في نهاية المطاف المرجعية الأولى لصناعة مستقبل الوطن والشعب والدولة.
نبيل شبيب