ــــــــــ
يوم ١٣/ ١٢/ ٢٠١٧م انعقد في إسطنبول اجتماع قمة طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي لمواجهة حملة عدائية صهيوأمريكية جديدة على فلسطين وعموم المسلمين، وبهدف الدفاع عن الأقصى وبيت المقدس وفلسطين وبالتالي الدفاع عن المسلمين الذين يفترض تمثيلهم عبر أنظمة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، التي يفترض -وهي في الخمسين من عمرها- أنها قطعت شوطا كبيرا في تطوير نفسها وقدراتها كمنظمة كبرى تضم دولا يقطنها أكثر من ١،٦ مليارا من البشرية، ولكن كان اللقاء هزيلا ونتائجه هزيلة بمعنى الكلمة.
وضع المنظمة
ولدت المنظمة باسم منظمة مؤتمر العالم الإسلامي يوم ٢٥/ ٩/ ١٩٦٩م في الرباط بعد جريمة إحراق الأقصى في بيت المقدس يوم ٢١ /٨ / ١٩٦٩م، ويأتي الاجتماع الاستثنائي الأخير للمنظمة في إسطنبول بعد جريمة حرق الأوراق الأمريكية ذات العلاقة بقضية فلسطين وبيت المقدس وفلسطين، ومع كشف عورات من يرتبط بتلك الأوراق من داخل “البيت” الإسلامي ولا سيما العربي.
أما كشف العورات فكان علنيا من خلال الغياب التام أو الحضور الشكلي، فهنا لا توجد أعذار سياسية أو غير سياسية لتبرير عدم إعطاء إشارة أولية على الاستعداد للتلاقي والحوار وربما الاتفاق حول قضية مركزية لها الأولوية إزاء خلافات أخرى، بينما بقي الاهتمام السلبي مركزا على تلك الخلافات، بدءا بالخليجية، مرورا بعلاقات التبعية أو غير التبعية مع الدولة الأمريكية، انتهاء بإسقاط الثورات الشعبية لآخر ستار مزيف لتغطية وجه الاستبداد القبيح مقابل ثورات تحرير الإرادة الشعبية في بعض البلدان العربية.
من أراد تصنيف موقع قضية الأقصى وبيت المقدس وفلسطين في سياسات كل دولة من أصل ٥٧ دولة إسلامية عضوا، فليرجع إلى قوائم الحضور والغياب والتمثيل المنخفض المستوى سياسيا في لقاء إسطنبول يوم ١٣/ ١٢/ ٢٠١٧م.
تشمل قائمة الغياب أو الغياب شبه التام فيمن تشمل النظام المتسلط عسكريا على مصر والأنظمة العربية التي ساهمت في تثبيت تسلطه، وارتبطت به، على حساب قضايا تحرير الشعوب والأوطان من الاستبداد ومن الاحتلال الاستيطاني ومن العدوان الأجنبي، في فلسطين وأخواتها.
ليس ما يوجهه ترامب ونتنياهو وأشباههما من طعنات لفلسطين وتاريخها وشعبها ما يستحق المتابعة إلا بقدر ما ينبغي الإعداد لمواجهته بجبهة الحق ضد جبهة العدوان الباطل، إنما الأهم من ذلك تلك الضربات الموجهة من الخلف، أي من جانب أنظمة قائمة في دول تحمل وصف العربية أو الإسلامية.
وأحطّ الضربات الذاتية ما يستهدف شعوب تلك الدول، فالشعوب هي مصدر طاقات التقدم، والنهوض، والتحرير، والدفاع عن الإنسان والأوطان.
تنشيط منظمة مهترئة
صحيح أن أنشطة المنظمة تضمنت في العقود الماضية إقامة عدد من المنظمات الفرعية والمؤسسات التخصصية والمشاريع التنموية، وجميع ذلك موضع التقدير بحسب حجمه الحقيقي وفعالياته، إنما لم يكن مستواها جميعا في حدود الممكن ناهيك عن الواجب المطلوب.
معظم الدول الأعضاء يعمل في منظمات ومؤسسات أخرى ويعتمد عليها أضعاف ما يفعل ذلك في منظمة التعاون الإسلامي، التي تعتبر أضخم مساحة وسكانا وأكبر من حيث الثروات الكبرى في باطن أراضيها من جميع المنظمات الدولية الحالية، كما أن دولها مرتبطة ببعضها تاريخيا واجتماعيا وثقافيا أكثر مما يسري على منظمات أخرى ساهمت في تحديد معالم خارطة عالمنا المعاصر.
لقد قامت المنظمة على محور قضية فلسطين ذات الخلفية العقدية والثقافية الحضارية والسياسية، وتجد نفسها هذه الأيام مجددا أمام أحد التحديات المفصلية في التعامل الدولي مع هذه القضية الإسلامية الجامعة، ومن هنا ينبغي التأكيد لئن كان الاجتماع الاستثنائي في إسطنبول يوفر لقضية فلسطين فرصة جديدة لبداية تعامل الدول الإسلامية معها تعاملا أفضل تأثيرا ومفعولا على الساحة الدولية، فإن القضية تعطي المنظمة فرصة تاريخية بالغة الأهمية لتطور نفسها ولترتفع بأدائها إلى مستوى منظمة دولية بحق، وإلى مستوى الإسهام الفاعل في التأثير على صناعة خارطة العلاقات الدولية في عالمنا المعاصر.
هل يتوقع المزيد في قادم الأيام؟
حتى الآن لا توجد مؤشرات تستدعي التفاؤل، أما إمكانية العمل الموضوعي المنهجي فمتوافرة، فالمنظمات الكبرى تنشط تدريجيا وترتفع إلى مستوى المهمة التي تشكلت من أجلها، بقدر ما تكون فيها (نواة صلبة) فاعلة ومحركة، تضم بعض الدول الأعضاء وليس جميع دول المنظمة، ولهذا يدور الحديث في الاتحاد الأوروبي مثلا حول المحور الألماني-الفرنسي، ولئن كانت تركيا في منظمة التعاون الإسلامي مرشحة أكثر من سواها لتكون من هذه النواة الصلبة، ففي المنظمة دول أخرى تناسب هذا الدور، إذا تم الأخذ بقاعدة النواة الصلبة فعلا، وتحركت الدول الأخرى وفق مصالحها الحقيقية، وليس بمنطق التبعية لدول أجنبية.
نبيل شبيب