ما الذي يعنيه المثل الشعبي: “فالج لا تعالج”، والذي ينتشر استخدامه في بلاد الشام أكثر من سواها على الأرجح، “الفالج” هو السكتة الدماغية، التي تسبب الشلل النصفي وانعدام التوازن وازدواجية حاسة البصر والعجز أو الصعوبة الشديدة في النطق وفهم الكلام المنطوق، ورغم تطور العلاج الطبي فقد بقي مرهونا بشروط، مثل سرعة التعامل مع السكتة الدماغية فور الإصابة بها.
تشبيه تسلط بشار الأسد على البلاد والعباد بالفالج يشمل أن الإصابة قديمة ومتوارثة، إلى جانب إصابات مرضية أخرى، استبدادية وهمجية، وقد فات أوان محاولة العلاج، فلا جدوى مما يوصف بمحاولات التطبيع عربيا، ولا محاولات الاحتواء غربيا، ولا محاولات تركيا استخدام لغة مصالح متبادلة؛ جميع ذلك في طريق مسدودة، ولم يبق سوى الاهتراء والسقوط ذاتيا، أو تكوين بنية هيكلية متكاملة للحلول مكانه، ولا توجد مؤشرات سوريّة جادّة في هذا الاتجاه، بل نرصد استمرار طغيان الوجه السلبي للتعددية الانتمائية والسياسية، وتكرار مبادرات انفرادية لا تلتقي، ومساعي التموضع كالمعتاد لرئاسة الائتلاف القادمة، ثم إبداء الاستعداد لتكرار الإخفاق في تجربة ما سمّي اللجنة الدستورية.
“فالج لا تعالج”.. أي لا تنزلق إلى تضييع وقتك وجهدك في محاولة علاج، حتى وإن كنت تستند إلى القاعدة الربانية السامية، أي التوبة والعمل الصالح، فقد استبقى رب العالمين العقوبة المفروضة في حالة الظلم سارية المفعول.
“فالج لا تعالج”.. من أراد الشواهد في حالة بشار فلينظر في محاولات التطبيع عربيا، وقد غابت الشروط عن إعلان رسمي لها، ولكن لم ينفذ أيضا شيء مما تردد نقلا عن مصادر مطلعة غير رسمية بشأن وجود سبعة شروط أولها تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٥٤، وسابعها وقف تهريب المخدرات ونشرها، لا سيما حبوب كبتاغون، ولم يجد أي شرط محاولة التنفيذ، بل على النقيض من ذلك كما يؤخذ من جولة خليجية يقوم بها ما يوصف بوزير خارجية بقايا النظام الأسدي بعد مقابلة إعلامية مثيرة أجريت مع سيّده.
إذا استثنينا شرط المخدرات يبقى التكهن عن مدى جدية شروط أخرى إن وجدت، فمن الدول العربية من يريد أن يكون مصير ثورة شعب سورية درسا صادما للشعوب العربية الأخرى، وهنا يتجسد في كلمة التعويم استبقاء التعامل مع من غرق في دماء أهرقتها همجية القمع للثورة الشعبية.
“فالج لا تعالج”.. تسري أيضا على التحول في السياسة التركية الإقليمية من قبل الانتخابات الأخيرة، وهو ما شمل فتح أبواب التفاهم مع بقايا النظام الأسدي، سيان هل هذا مشروط بما يخدم ثورة الشعب في سورية، أم يقتصر على بعض المصالح التركية، ففي الحالتين لم يظهر من تفاعل الطرف الأسدي شيء لمواصلة هذا المسار، ناهيك عن رفض اختزال قضية سورية وشعبها في إشكالية التعامل مع بقايا النظام الأسدي فيها، وناهيك عن معضلة التعامل الرسمي والإداري على أرض الواقع مع الوجود السوري نفسه داخل الحدود التركية.
“فالج لا تعالج”.. تسري أيضا على محاولة تحسين سمعة المكانة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، بأنها ترفض التعويم وتريد ممارسة ما سبق أن مارسته مع أنظمة أخرى: الاحتواء، من خلال الضغوط وما يسمى العقوبات، إنما يكفي مثال واحد على ما ينتظر من ذلك، وهو ما آلت إليه أوضاع معابر إيصال مساعدات إغاثية إنسانية دولية، مقابل ما يقال عن قوة العملاق الأمريكي وأنه يفرض ما يريد لو أراد، والواقع أنه يترنح أمام حتمية تعدد الأقطاب في النظام العالمي، وهذه صورة عجز حقيقي أو مزعوم يعبر عنه الرئيس الأسبق أوباما فيما أورده مقتضبا عن الشأن السوري في مذكراته المنشورة حديثا.
“فالج لا تعالج”.. لا يبقى في الميدان إلا ما يصنعه السوريون بأنفسهم لأنفسهم في مسارات تحصيل حقوق السيادة والاستقلال والتحرر وتقرير المصير، ويشهد مجرى التاريخ أنها مسارات تنطلق من واقع الضعف الشديد دوما ثم يتحقق ما يشبه المعجزات التاريخية، وما هي بمعجزات، إنما هي قاعدة التغيير التي تؤكد أن البقاء للشعوب وأن النصر لإرادتها، وأنها إنما تحتاج في ذلك إلى شعب حيّ ونخب مبدعة ورؤية قويمة مشتركة، لا تحاول معالجة الفالج بل تعمل لصناعة البديل السليم من إصابات دماغية وغير دماغية.
وأستودعكم الله وأستودعه جنس الإنسان في سورية وسواها، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب