رأي
مع رفض اتهامات من يتهم تركيا بالتواطؤ مع روسيا أو التوافق معها سرا بشأن صفقات سياسية على حساب أرض سورية وشعبها وثورته، يمكن كحد أدنى القول إن تركيا ولأسباب واقعية في نظرها على الأقل ونظر كثير من المدافعين عن سياساتها، شبه عاجزة منذ فترة لا بأس بها، عن النهوض على الوجه الأمثل، بمتطلبات الدور المنتظر أو المرجو منها، بما يخفف من تعاظم المعاناة الإنسانية وتسارع التراجع عسكريا وسياسيا، وهذا عجز له أسبابه ولا ينفي موقع تركيا كحليف أو داعم انفرد به الميدان من وراء الثورة الشعبية في سورية، بالمقارنة مع سواها، أي جميع الدول العربية والإسلامية والإقليمية وغير الإقليمية.
صحيح ما يقال:
– لا مقارنة بين تركيا وما تفعل أو لا تفعل وبين روسيا كدولة احتلال معادية همجية، أو إيران كدولة احتلال معادية شرسة، أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية كدولة ذات مطامع وهيمنة عدوانية في سورية وكامل المنطقة حولها.
– ولا ينبغي اتخاذ مواقف سلبية أو معادية تجاه تركيا تؤدي إلى خسارة آخر الداعمين إذا ما صدرت تلك المواقف عمن لا تزال لهم كلمة ما، في التعبير عن الثورة الشعبية في سورية ومجرى الأحداث في الشمال تخصيصا.
إنما لا بد من القول أيضا:
– إن وتيرة المواقف التركية بشأن الشمال السوري والثورة خفتت إلى حد بعيد، فيما عدا ما يتعلق بإنشاء المنطقة الآمنة ومواجهة الفريق المعروف من الأكراد، المتعاون مع الأمريكيين على حساب سورية وتركيا معا. ويؤدي غياب المواقف تلقائيا إلى تساؤل المخلصين والمشككين: هل توجد اتفاقات ما وراء الكواليس؟
– ثم إذا وجد بالمنظور الرسمي التركي من يحمل مسؤولية ما جرى ويجري في أرياف حماة وإدلب وحلب، من أطراف مسلحة أو غير مسلحة، ممن يُعتبر جزءا من الثورة في سورية، فما الذي يمنع تركيا من الحديث العلني عن الجهة المسؤولة، بدلا من ترك تفسير ما يجري لمسلسل التكهنات السلبية مع ما يعنيه ذلك من اضمحلال أسباب الثقة الموضوعية؟
ليس في التساؤلات ما يستدعي الانجراف إلى مواقف من قبيل المواقف المعادية من الأصل لتركيا ونهجها في عهد حزب العدالة والتنمية، ومن يؤول سلباً جميع ما يصدر عن تركيا من سياسات وممارسات ومن محاولات التوازن بين عوامل عديدة في الساحة الدولية، وهي عوامل تنطوي على الخطر على تركيا وعلى الثورات الشعبية عموما، ورغم ذلك لم يعد يكفي البقاء في حدود تهدئة الخواطر وتدافع المسؤولية، بعد كل ما شهده ما يوصف بالشمال المحرر في الآونة الأخيرة، وبلغ مداه مبدئيا في خان شيخون وبات ينذر بما هو أفدح خطرا وثمنا مما كان من قبل.
لا بد من التواصل المباشر من جانب صناع القرار السياسي والميداني، في تركيا وفيما تبقى من ميادين لتصرف الثوار في سورية، فالجميع في فم الخطر، ولن تقف الأخطار والأضرار المحتملة عند حدود هذا الطرف أو ذاك، سواء كان من صناديد الثوار في سورية، أو كان من صناديد صناعة القرار في تركيا.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب