ترتيب البيت السوري

مهمة مصيرية بعد ثورة تاريخية

تحليل

لو تساءل أحدنا عن أولويات ما يحتاجه ترتيب البيت السوري، وما ينبغي التعجيل به من ذلك، لوصل إلى القول: كل شيء، أو لوصل إلى عدد كبير من الأجوبة تبعا لتعدد وجهات النظر بعد تحرير القلم واللسان للتعبير؛ وأقصى ما يمكن لكاتب هذه السطور الإسهام به وفق معايشته للثورة ومساراتها- هو موقف تصنعه عصارة بضعة عقود في العمل الإعلامي والبحثي والإسلامي والمتابعات السياسية. وينطوي ذلك على أربع دعائم أساسية.

 

١- عدم تأخير المرجعية الدستورية عن بداية المرحلة الانتقالية الأولى

إن المرجعية الحالية مرجعية شعبية أصيلة ومرجعية ثورية تاريخية، ومما يؤخذ من السلوك العملي للمسؤولين عن قيادتها ومن رسائلهم لطمأنة الآخرين كما يقال، أنهم يتجنبون الوقوع في شبهة تصرفات انتقامية كما عُرف عما يوصف بثورات تاريخية، كالفرنسية والروسية والإيرانية، هذا رغم أنه لا يوجد شعب من الشعوب تعرض لما تعرض له شعب بلاد الشام في سورية وفلسطين، لا سيما في زهاء ستة عقود مضت قبل انتصار الثورة في سورية.

لكنّ الحرص على العدالة قد يبلغ درجة الإفراط أو التفريط، فلا يصح أن تمتد الفترة الزمنية لغياب مرجعية دستورية وقضائية إلى أن يسبب ذلك ردود فعل عكسية من جانب من عاشوا تحت نير المظالم وانكشف لهم من حجمها وهمجيتها ما لا يدور بخلد إنسان سوي.

إن الوصول إلى أجهزة قضائية، يتطلب أولا الوصول إلى دستور متكامل الأركان، وهذا ما يحتاج إلى فترة من الزمن طويلة نسبيا، وينبغي استباقها باعتماد مرحلة مؤقتة على أسس دستورية مختارة، تتقرر عبر بعض المواد المستمدة من دساتير سابقة، لا سيما دستور ١٩٥٠م الذي يتقبل المتخصصون نصوصه باستثناء مواد معدودة منه. ويمكن الاستعانة على هذا الصعيد بشيخ الحقوقيين في سورية هيثم المالح على رأس مجموعة تضم عددا من القضاة والحقوقيين، يبدأ عملهم بصياغة معالم كبرى لما يجري تداول الحديث عنه تحت عناوين عدالة انتقالية، وإعلان دستوري وما يتصل بذلك، لتعزيز ما يتشكل من سلطات مؤقتة، تنفيذية وتشريعية وقضائية.

 

٢- ثقافة سياسية وفكرية وإعلامية  

واضح من سرعة تشكيل حكومة تصريف الأعمال والتطلع إلى حكومة انتقالية خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، أن سورية تحتاج إلى ضوابط للعمل المشترك، بعد أن دمّر العهد البائد أسس تكوين علاقات سوية بين أطراف الشعب الواحد في الوطن المشترك. وإن مسارات الثورة خلال بضعة عشر عاما بين جمعة الكرامة وجمعة النصر، أبرزت وجود أصحاب فكر نافذ وأقلام متميزة ومبادرات متعددة الميادين، وإن بقيت العلاقات هشة أو ضعيفة بين ما تشكل من تنظيمات ومراكز دراسات وحتى ما حمل وصف أحزاب رغم غياب قانون أحزاب دستوري وقانون انتخابات لينظم تنافسها وتعاونها في ظل علم وشعار مشتركين ودولة واحدة. ولن يتحقق ذلك قبل وضع دستور وتشكيل أجهزة منبثقة عنه، ولكن يمكن إلى ذلك الحين الاستعانة ببعض من وجدوا التوافق على تأييدهم أكثر من سواهم مثل د. عبد الكريم البكار ود. ياسر تيسير العيتي ود. بشير زين العابدين ود. مازن هاشم وغيرهم، على أمل التلاقي مع مراكز البحوث والدراسات ومدرائها، على صياغة الأرضية اللازمة من أجل ثقافة شعبية ومجتمعية ونخبوية تقوم على تعددية الأفكار وتكاملها، وتعددية السياسات وتعايشها، وتعددية وسائل التعبير والإعلام والرقي بمستوى الحوار فيما بينها ومن خلالها.

 

٣- مناهج ومضامين علمية ترقى بالإنسان ووعيه بحقوقه

المراجعة الدقيقة لهياكل التدريس والتعليم والتربية مطلوبة بإلحاح، ولكن من الضروري التمهيد لها بمراجعة مبدئية عاجلة، تنبّه إلى الانحرافات الكبرى وخطورتها، وتحدد معالم ما ينبغي التركيز عليه في مراجعة تخصصية وشاملة ترفع من مستوى التعليم الهادف وتربطه بتحصيل درجة عالية من الوعي لا سيما في ميادين الحقوق العامة وتكاملها مع بعضها البعض، مع مراجعة المناهج التي وضعتها الجهود المتفرقة تحت عناوين تيارات وتجمعات وأحزاب وجماعات، ولكن بقيت تركز على تعددية تكرّس واقع التفرقة بدلا من تحويله إلى ميادين تنافس إيجابي هادف، وهو ما يتطلب الانطلاق من برنامج مبدئي لإصلاحات إدارية واقتصادية ومالية، محورها الكفاءات والتخطيط وطرح معالم أساسية لسلسلة مراجعات من أجل عملية تطوير منفتح على المراجعة باستمرار.

 

٤- شبكة علاقات عربية وإسلامية وعلاقات دولية، محورها السيادة والاستقلال

من أبرز ما ظهر مع إسقاط النظام البائد، أن قادة الجولة الحاسمة في الثورة يمارسون قدرا ملحوظا من الديبلوماسية مع الحرص على تجنب مواقف الضعف والتراخي في التعامل مع أي طرف، اعتاد على الاستعلاء لممارسة الهيمنة استنادا إلى قوته المادية وإلى قابلية سقوط الطرف المستهدف في موقع التبعية سريعا.

إن الخطاب الديبلوماسية مع استقامة الموقف الذاتي هو في مقدمة ما ينبغي تثبيته نهجا دائما في تكوين شبكة علاقات خارجية، عربية وإسلامية أولا، وعلى مستوى ما يسمى دول العالم الثالث ثانيا، ثم تكوين شبكة علاقات دولية قد تحتاج إلى جهد أكبر وإصرار أشد على نهج معروف نظريا ومغيّب تطبيقيا، وهو ما يقوم على مصالح متبادلة دون أن تتحول إلى شارع باتجاه واحد، ثم على نوعية الخطاب بين أنداد لأنهم يمثلون شعوبهم وسيادتها واستقلالها وكرامتها وحقوقها، فلا يتراجعون عن ذلك في عالم انتشرت فيه وسائل الإغراء ببريق الوعود أو الترهيب بالتهديد والوعيد.

وأستودعكم الله وأستودعه ثورة سورية وشعبها وأخواتها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب 

 

التغييرالنهوضثورةسورية