تحليل – وعي جيل الشباب لا يكفي

العنوان "استفزازي".. ولكن تلتزم السطور التالية أسلوبا هادئا ما أمكن، للتعبير عن حالات عايشها كاتب هذه السطور مرارا خلال أعوام الثورة، وتبدو له "مشكلة" متعددة الأوجه وإن كان محورها واحدا.

 

من مؤشرات الوعي الإيجابية

١- انطلقت الثورة وفاجأت الجيل الذي عايش عقودا سابقة من الاستبداد فرأى الشباب إناثا وذكورا يدركون مشكلة التحرر من الاستبداد، ولم يشغلهم ما كان يقال بصدد "موات منتشر" أو "انحلال مسيطر"، فجاء تحركهم الثوري نتيجة الاقتناع بضرورته واستحالة سلوك سبيل آخر إلى التغيير.

٢- في مواجهة مزيد من همجية الاستبداد وداعميه الإقليميين وعالميا، ظهر أن الشباب يدركون أن الثورة ثورة تغييرية تتطلب التضحيات ولا بديل عن استمرارها حتى تتحقق أهدافها.

٣- طلب إلى كاتب هذه السطور المشاركة في "ندوات توعية" سياسية وإعلامية، وما شارك مرة إلا واكتشف أن مستوى الوعي السياسي والإعلامي لدى الشباب أعلى بكثير مما شاع عنهم، وهذا ما يعايشه أيضا عندما يحسب أنه يقدم "جديدا" في بعض ما يكتب وينشر فيكتشف أن كثيرا من الشباب سبقه إلى ذلك "الجديد" والتعبير عنه بوسيلة من الوسائل.

٤- قبل فترة وجيزة تضمن أحد برامج التلفزة أقوال شباب من سورية ومصر واليمن وتونس حول مسار ثورات "الربيع العربي"، وفيها مستوى رفيع من التحليل المنطقي المعبر عن رؤية تستند إلى التاريخ وسننه والواقع ومعطياته لتؤكد أن الثورات أطلقت عملية التغيير من عقالها، ولن تتوقف قبل بلوغ غاياتها، دون إغفال ما يعنيه ذلك من أن على جيل المستقبل أداء مهام تاريخية جسيمة.

 

من السلبيات على هامش الوعي السياسي

١- لا يزال كثير من الشباب تغويهم شعارات دون مضمون ويحركهم الألم والغضب دون ضوابط، فنجد تنظيمات متطرفة منحرفة اقتحمت ميدان الثورة تعديا، واستقطبت رغم ذلك طاقات شبابية على حساب الثورة والشباب والوطن وأهله.

٢- لا يزال كثير من إنجازات الشباب على طريق التغيير وصناعة المستقبل، يمثل "ورشات عمل" صغيرة منفصلة عن بعضها بعضا ويكرر بعضها بعضا في غالب الأحيان، فلا تتحول العطاءات -وهي معا كبيرة- إلى تيار عمل تراكمي ضروري للبناء.

٣- لا تزال غالبية جهود الجيل الأكبر سنا ممن عايش الاستبداد، تعمل لمواجهة هاتين المشكلتين (وسواهما) بأساليب متوارثة، لم يعد لها مفعول كبير بعد تغير الواقع من حولنا وتغير وسائله واحتياجاتنا فيه.

 

بعض ما نحتاج إليه

الوعي السياسي رفيع المستوى وينتشر بسرعة كبيرة وهو عميق بقيمة عالية، إذ يكتسبه جيل الشباب من خلال التجارب العملية الثقيلة الوطأة، بغض النظر عن "ندوات" التوعية النظرية. وكان الوعي مستهدفا في حقبة الاستبداد بمختلف الوسائل، جنبا إلى جنب مع استهداف عوامل أخرى تصنع الثورة والتغيير، منها الأمل والجرأة والإقدام والرؤية البعيدة من وراء الأهداف القريبة.

الوعي السياسي المنتشر يولّد طاقة كبيرة تحقق إنجازات "بطولية" ولكن دون مخططات وأجهزة وضوابط تجعل الإنجازات "مستدامة.. تغييرية".

نحتاج على الأقل إلى:

١- المعرفة بالمشهد الحالي إجمالا وعلاقات جوانبه التفصيلية ببعضها بعضا، فمن دون ذلك يبقى كل إنجاز انفرادي محدودا، ولا يتكامل مع سواه لتؤثر الحصيلة بمجموع المشهد الثوري التغييري.

٢- الوعي بأدوات العمل وأساليب تأمينها في الظروف الصعبة، إلى جانب الوعي السياسي النظري، ومن الأمثلة الراهنة على ذلك موقع التفاوض كأداة عمل وكيفية توظيفه بشكل هادف، بين أدوات الثورة الأخرى الميدانية، وليس بديلا عنها، وبين وسائل التغيير البعيدة المدى إعدادا للكفاءات وتكاملها مع بعضها بعضا.

٣- الانتقال من "الورشات" الانفرادية للعمل إلى شبكات تواصل كبرى، تتكامل إنجازاتها من خلال توزيع أفضل للتخصصات وتشابك مخططات عملها مع بعضها بعضا.

٤- إيجاد حلول للعقدة الفاصلة بين جيلين، وهي معروفة حتى في أوقات الاستقرار، ولكنها تصبح خطيرة في مراحل التغيير لا سيما الثوري، فلا بد من معرفة الحدود بين "الخبرة وسعة المعرفة والتوجيه العام" من جانب الجيل الأكبر سنا وبين "التخصص والتخطيط الحديث والقيادة الميدانية لتنفيذ المخططات" من جانب جيل المستقبل.

والله ولي التوفيق.

نبيل شبيب