تحليل – لا يفيد الكلام في قضية سورية وثورتها..

أليس ضروريا لصاحب القلم أن يواكب بقلمه مسار الأحداث من حوله؟

نعم.. ولكن من أجل ماذا؟

بصدد الأحداث الجارية سأل سائل: ماذا تريد السعودية عبر استقبال مملوك أو عبر تصريح الجبير بضرورة الحفاظ على مؤسسات الجيش والأجهزة الأمنية؟

وسأل سائل: ماذا تريد تركيا من وراء منطقة أمنة والحرب في وقت واحد ضد فريق من الأكراد مرتبط بالنظام الأسدي، وضد "داعش"؟

وسأل سائل: ماذا تريد قطر بتواري دورها عن صدارة المشهد كما كان قويا علنيا، وأحيانا استفزازيا، حتى أصبح بعض "المنزعجين" منها يستكثرون عليها ما تقول وتصنع؟

إن السعودية.. وتركيا.. وقطر.. -وهي الأقرب حاليا إلى دعم الثورة من سواها- ليست فصائل ثورية، بل هي دول لها سياساتها ومصالحها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وهذا هو "المعيار" لاستيعاب ما تقول وتصنع.

. . .

وسأل سائل: ماهي فرصة إيران وقدرتها على التأثير عبر ما اعتبرته "مبادرة معدلة" من أجل "حل سياسي" لقضية سورية؟

وسأل سائل: ماذا تريد روسيا بتحركاتها الأخيرة إقليميا ودوليا وهل يمكن الحديث فعلا عن "افتراقها" نسبيا عن إيران في العمل من أجل "حل سياسي" لقضية سورية؟

وسأل سائل: ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ضرباتها العسكرية ضد "الفصائل الثورية" وضد "داعش" في وقت واحد وأين بقيت أوروبا بقضها وقضيضها خارج نطاق تسابق زعمائها لزيارة طهران مؤخرا؟

هذه الأطراف -وأمثالها- لها سياساتها ومطامعها وعلاقاتها القائمة على مشاريعها للهيمنة والسيطرة والعمل المباشر ضد تحرير الإرادة الشعبية، في سورية وغيرها.

ويمكن التأكيد أن ما يكتب وينشر حول جميع التساؤلات السابقة لا ينقطع، ويفيد مهما تفاوتت المستويات وتعددت الآراء.. ولكن ماذا عن سؤال آخر:

من يعمل للثورة الشعبية والوصول بها إلى تغيير جذري حقيقي يوصل إلى أهداف الثورة، تحررا وكرامة وعدالة وأمنا، وبناء للدولة المنبثقة عن الثورة؟

الثوار.. هل هم قادرون فعلا؟

السياسيون مع الثوار.. هل يلتقون على الطريق فعلا؟

ولو استرسلنا لوجدنا المزيد من التساؤلات والإجابات والردود على الإجابات.

. . .

لقد انفصل القسط الأعظم من "كلامنا" عن "واقعنا"، ومن قبل عن "صناعة قرارنا" و"أداء واجبنا"، ناهيك عن "تلاقينا على راية واحدة"، وأصبحنا -في الأعم الأغلب- نرصد و"ندردش" حول ما نرصد.

في الوقت الحاضر.. نرصد ما تقول القوى الإقليمية والدولية وما تصنع، فنغضب، مثلما نرصد مسلسل الشهداء والمذابح والصواريخ والبراميل المتفجرة، فنتألم، ونرصد أيضا تقدم فصائل الثوار هنا وخلافاتهم هناك ووصولهم أحيانا إلى حافة الاقتتال، ولكن معظم من يسألون ومن يجيبون يتحدثون ويتحاورون في غرف مفتوحة ومغلقة، افتراضية وغير افتراضية، وربما في وسائل إعلامية كبيرة، فيتبادلون التفاؤل والتشاؤم، وأفضل الأفكار وأجمل الأمنيات، حتى بلغ حجم ما قيل وكتب أضعاف ما عرفناه في تراثنا من مجلدات، لو جمعناه في مجلدات.. ولكن:

هل نستطيع أن نشير بالبنان إلى أي فريق منا لنجيب إجابة مقنعة فعلا على السؤال: من يعمل للثورة الشعبية والوصول بها إلى تغيير جذري حقيقي يوصل إلى أهداف الثورة، تحررا وكرامة وبناء للدولة المنبثقة عن الثورة؟

إن من يحدد "كيف يتحقق ذلك" ويتحرك لتحقيقه هو من "يعمل الثورة".

. . .

قبل سنوات بدأت الثورة بالعمل قبل الكلام.. وبدأت على الفور الأعاصير المضادة للثورة، ومعظمها من تدبير "أعداء ثورات الربيع العربي" وتنفيذهم، ولكن بعضها -وربما أخطرها- كان من عند أنفسنا ومن صنع أيدينا وحناجرنا وأقلامنا، عندما ولدت مؤتمرات وتجمعات وهيئات ومراكز دراسات، وتضخمت وتورمت، وتوالد عنها المزيد، فأصبحت أشبه بالفطر في البراري.. و‎منذ ذلك الحين نتحدث و"يتحرك بعضنا فعلا"، ولكن في "ألف فريق وفريق" ويتشابه مضمون الحديث وأسلوب التحرك إلى حد التطابق أحيانا، ولكن على "ألف طريق وطريق".. ويتبين لنا يوما بعد يوم ثم عاما بعد عام، أن جوهر المشكلة كامن في أنفسنا، ولكن ننتظر الأيام التالية والأعوام القادمة، دون أن نتعامل الآن مع "جوهر المشكلة".

. . .

في الوقت الحاضر انخفضت أيضا نسبة الكلام حول الثورة ونصرتها إلى درجة لا تذكر بالمقارنة مع استمرارية من هم أشد إصرارا وصبرا في حديثهم ‎بألسنة الإحباط والتيئيس..

كذلك ما زالت القلة الباقية في الميدان تتحرك ولكن -إلا من رحم ربي- على ما نشأ من سبل متشعبة متفرقة ‎متعددة، وصحيح أنها تحقق الانتصارات، وتفاجئ بها الدنيا بأسرها.. ولكنها "تتكامل" في حالات استثنائية فقط، ولا نستطيع -للأسف- قول شبيه ذلك عن مواقع عديدة.

يمكن أن نفهم ونستوعب أو نجد في صفوفنا من نثق بفهمه واستيعابه وما يحلله وينشره بشأن ما تصنع السعودية وتركيا وقطر وما تصنعه إيران وروسيا والولايات المتحدة، وما يصنعه سوى هؤلاء وهؤلاء.. ولكن لن نفهم ونستوعب ما ينبغي أن نصنعه -معا- ونسلك الطريق المشترك لصنعه "معا" فعلا، من أجل نصرة الثورة التغييرية وتحقيق أهدافها لنا "جميعا"، إلا عندما نسعى لذلك "معا".

. . .

كيف "نسعى معا"؟

كل منا يملك "شيئا" ولا يملك "كل شيء" من عناصر صناعة القرار وعناصر تنفيذه.. كلاما، وفكرا، وسلاحا، ومالا، وسياسة، وتخصصا، ومنصبا، وجميع هؤلاء مسؤولون عمن أصبح لا يملك سكنا ولا ماء ولا دواء ولا طعاما، ناهيك عمن أصبحوا بين يدي الديان ولعلهم يشكون من بقي بعدهم، ونرجو أن يوجد في واقعنا، ما يجعلهم "يستبشرون" أيضا ببعض من لم يلحق بهم من خلفهم، أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

جميع هؤلاء مسؤولون عن الإجابة القولية والعملية على السؤال: كيف نسعى معا؟

ولكن هل نحن على مستوى هذه المسؤولية، وحملها بحقها، وسط ظروف ثورتنا وعالمنا وعصرنا، أي بوجود من يدافع في الميدان عن وجودنا ومستقبلنا، فلا نركن ونقول هذا يكفي، ووجود من يثير الأعاصير المضادة في وجه تحرير أولادنا وأحفادنا وأوطاننا، فلا نركن ونقول هذا "مخيف"؟

كيف نسعى معا؟

مثال: هل يعطي الكاتب والمفكر والمسلح والسياسي والممول وصاحب المنصب وصاحب التخصص.. هل يعطي كل منهم الآخرين حقهم في تعامله معهم على أرض الواقع، أم لا علاقة لذلك مع ما قد يردده أو يسمعه: "أعط كل ذي حق حقه"؟ إن مثله آنذاك مثل من يردد أو يسمع "لا تبخسوا الناس أشياءهم" ولكن لا يعتبر نفسه معنيا، أو أنه لا يجد علاقة تربط بين فهم إسلامه هذا.. وتطبيقه في واقع ثورته حيث هو منها.

فلنرجع إلى ساحة الواقع العملي ما بين دول نستبشر بما تصنع، ودول نتشاءم مما تصنع، وسنجد أن "هذا المشهد" تكرر خلال السنوات الماضية مرارا، ولن يتوقف عن التكرار، إلا عندما يتحول موقعنا نحن من "رصده" إلى صنع واقع "يرصده" الآخرون.

ونتابع التساؤل.. إذ قد يسأل كثيرون فعلا، كما اعتدنا في السنوات الماضيات: ماذا يفيد هذا التنظير؟

والجواب سؤال أيضا: هل يملك القلم إلا ما يطلق بعضنا عليه صفة "التنظير"؟

يجب أن نلتقي.. هذه "دعوة التنظير".. ولن ‎تصبح "لقاء حقيقيا جامعا وفاعلا" إلا عندما تقترن بالتواصل ويستجيب لها المسلح، والسياسي، والممول، والوجيه في منصب، والحكيم في تخصص، وإن لم تكن مقتصرة على دائرة اعتادوا على "تجانسها" ويخشون من "تنوع وتكامل" لتنفتح على سواها.. ويكبر إطارها فيكبر تأثيرها ومفعولها.

يكاد كاتب هذه السطور أن يحول الدعوة إلى "الكتاب والمتكلمين" أن يعلنوا "إضرابا جماعيا مفتوحا عن الكلام"، عسى يتأثر بذلك القادرون في "خيمتنا الثورية المشتركة" على اتخاذ القرار وتنفيذه، فيحققوا اللقاء والالتقاء "هدفا" من وراء كل كلام، و"وسيلة" إلى عمل مشترك في قادم الأيام.. ولا نحسبهم سيقررون بدلا من ذلك استخدام "حقنة إنعاش" لإكراه أحد على الكتابة والكلام.. وإن أشرف على الموت كمدا وحسرة وألما. 

نبيل شبيب