تحليل – صنعة الإرهاب في خدمة الحرب على الإرهاب

في إطار التمييز بين ثوار مخلصين صادقين عاملين للتحرر من الاستبداد والهيمنة الأجنبية، وبين الإرهاب بمفهومه الشائع عموما، يقال الكثير عن داعش والقاعدة.. من ذلك: صنيعة مخابرات أمريكية وإقليمية، أو مخترقة من جانب المخابرات المعادية حتى النخاع أيمن يصنعون القرار الإرهابي، ومنها: القيادات من عالم آخر فلا وعي ولا نظرة واقعية ولا إنسانية ولا أخلاق.
سيان ما يقال.. المهم هو الحصيلة، ومن الثابت الآن أن معظم أنشطة تلك المنظمات، أشبه بخدمات كبيرة لصالح السلطات الغربية، ومن ذلك تقديم الذرائع لحصار الثوار مع تسويق العداء الغربي والخذلان الإقليمي ضد الثورة الشعبية في سورية، عبر امتصاص الغضب "الشعبي" في كثير من البلدان إزاء "همجية" الحرب الأسدية ضد شعب سورية.
يضاف إلى تلك "الخدمات الأساسية" خدمات أخرى أشبه بالهدايا في المناسبات،إذ تأتي دوما في التوقيت المناسب، كما لو أن العملية الإرهابية متفق على موعدها على الأقل.
أخر الأمثلة الصارخة من اللحظة الراهنة تلك الإعلانات المتتابعة عن اختراق منظومات ‎شبكية غربية.. فهي عمليات تأتي في أنسب توقيتلتوظيفها في الغرب من أجل ممارسة مزيد من الضغوط على المدافعين عن الحريات والخصوصيات الفردية، وبالتالي استصدار مزيد من قوانين الرقابة تحت عنوان دواعي الأمن ومكافحة الإرهاب.
ومن السذاجة بمكان القول إن الاختراقات الشبكية استعراض للقوة بمعنى القدرة على تحقيق "انتصارات حاسمة"، فما تم اختراقه شبكيا لا يمثل من قريب أو بعيد خطرا أمنيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا، ولا يرقى حتى لمستوى "التجربة" من أجل حرب ألكترونية لاحقة.
لعل القصد هو تشغيل الآلة الدعائية في أوساط من يشعرون -بحق- بوجوب مواجهة صلف الهيمنة الأجنبية وتشابكها مع الاستبداد الإجرامي المحلي.. ولكن ليس هذا هو طريق "الثورة.." التي تحتاج إلى إنجازات ثورية، أي إنجازات كبيرة وحقيقية، تصيب من العدو مقتلا وليس "انتصارات" وهمية أشبه بوخز الإبر، وتحتاج الثورة إلى إنجازات في ساحة المعركة وليس في بعض البقاع النائية عنها في أنحاء الأرض، وإلى إنجازات تجلب التأييد لأصحاب الحق ضد أهل الباطل بدلا من مضاعفة دعم أصحاب الباطل.. ومن قال إن "إثارة الرعب" من أسلحة المعركة، فليعلم أنه الرعب الناتج عن حجم "الثورة" الحقيقي وفاعليتها، ولا يأتي ذلك عبر "التسلل" والضرب من الخلف ومحاولة الهرب لو أمكن الهرب.
لقد أصبح أسلوب "تقديم الهدايا" للعدو عبر توقيت عمليات إرهابية ما، هو الأسلوب المعتمد، وهذا بالذات ما يستدعي التساؤل: من يخطط، ومن يقرر، ومن يحدد "جدول المواعيد"؟
لم يقتصر تطبيق هذا الأسلوب على عمليات الاختراق الشبكي، فشبيه بذلك مؤخرا إعلان تنظيم القاعدة في اليمن دون ضرورة فعلية عن تبني عملية الهجوم على مقر صحيفة شارلي إيبدو الساخرة الفرنسية، المتعدية بإساءاتها على الإسلام والمسلمين.. فقد جاء الإعلان متزامنا من جهة مع التشكيك على مستويات عديدة أن وراء العملية أجهزة مخابرات غربية، ومن جهة أخرى مع ازدياد الانتقادات والتساؤلات عن التحرك العسكري الأمريكي في اليمن الآن بالذات، إذ  يتجنب استهداف الحوثيين رغم عدوانيتهم وارتباطهم بإيران ومشروع هيمنتها الإقليمي، ويتعمد -أي التحرك الأمريكي- استهداف تنظيم القاعدة،بعد أن أصبح القوة الفعلية في مواجهة الحوثيين، مع بعض القبائل اليمنية.
إن الإعلان المذكور أشبه بالهدية للسلطات الأمريكيةفكأنه يقول: إليكم ذريعة أخرى لتمرير سياساتكم العدوانية ومواجهة من يعترض عليها من الأمريكيين أو الغربيين عموما.

. . .

من أراد فليعد إلى جميع ما سبق من عمليات مشابهة، ولن يجد سوى مزيد من الشواهد المشابهة، ابتداء من أول العمليات وأكبرها، أي تفجيرات نيويورك وواشنطون عام ٢٠٠١م.
آنذاك.. لم يكن باستطاعة بوش الابن بعد استلام الرئاسة ‎الأمريكية بفترة وجيزة، أن ينفذ بعض "الأهداف الكبرى" في وثيقة استراتيجية للمحافظين الجدد، ومن بينها نصّا "الحرب على أفغانستان والعراق"، فجاءت التفجيرات لتتحول المعارضة الشديدة ضد خوض حروب جديدة، إلى تأييد كبير.. بفضل هدية إرهابية دموية ساهمت في تحويل العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين إلى سنوات حرب متواصلة في البلدان الإسلامية، تطبيقا لمقتضيات شعار "الإسلام عدو بديل"، وكان أول من أطلقه رسميا في عام ١٩٩١م ديك تشيني، وزير الدفاع في عهد بوش الأب، ونائب الرئيس في عهد بوش الابن.
لا يوجد أبدا ما يبرئ المعتدين من مسؤوليتهم المباشرة عن ممارسة العدوان.. ولكن يوجد ما يستدعي المطالبة ببعض الذكاء في مواجهتهم، في عالم تحكمه شرعة الغاب على حساب الإنسان في الدرجة الأولى. ولا علاقة لذلك بمسألة "مشروعية" العمليات الإرهابية أو عدم مشروعيتها، ولكن ينبغي على جميع الأحوال السؤال عن أسباب توظيفها في خدمة "العدو".. فهذا ما يضاعف حجم الأضرار المتواصلة منذ أول عملية إرهابية جرت وحتى اليوم، على حساب الإسلام والمسلمين، ولحساب أعداء الإسلام والمسلمين.

نبيل شبيب