نحن في اليوم العالمي السنوي لحقوق الإنسان..
نحن في يوم ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨م..
نحن في يوم توزيع جوائز نوبل للسلام ولإنجازات الإنسان..
يجب عليكم تطبيق مواثيق حقوق الإنسان والمواطنة، ومبادئ الشفافية والمحاسبة وفصل السلطات، ونظم سيادة القانون واستقلال القضاء، وأن تحترموا الأقليات وتكونوا من "الجنادر"، وأن تفتحوا أبواب السجون والمعتقلات وأبواب منشآت مشبوهة لصناعة قنابل "هيروشيمية" أمام منظمات مدنية وبعثات تفتيش دولية..
. . .
الكلام يصدر بمختلف الصياغات، بمناسبة ودون مناسبة، مع ما يسمونه الجزرة والعصا (وأصلها لإغراء الحمير أو إيلامها ضربا لتسير).. يصدر عن حكومة رئيس دولة عجز عبر ست سنوات عن تنفيذ وعده قبل انتخابه أن يغلق صفحة العار الإجرامي الأمريكي في "جوانتامو"، ولكن لم يعجز عن ارتكاب أضعاف ما ارتكب سلفه من جرائم قتل متعمد أو غير متعمد.. سيان.. للمدنيين، دون إعلان حرب ودون خوض "حرب" رسمية، من خلال غارات "طائرات دون طيار" وتحريك "تحالفات دولية"، ثم يمتنع الآن بعد الكشف عن بعض ممارسات التعذيب الهمجي في جوانتانامو معتقلات سرية أخرى، بأوامر سياسية وإدارية عليا في بلده.. يمتنع عن مجرد المطالبة بإجراء "تحقيق" حول المسؤولية الجنائية للمحاسبة القضائية عن الآلام والعذابات عبر انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان.
الكلام أعلاه يصدر بمناسبة ودون مناسبة عن حكومة واشنطون ومجلسي "نواب وشيوخ" في واشنطون، ويوجه إلى دول صغيرة ومتوسطة،من غير الدول الحليفة، تحت طائلة التهديد بما يسمونه "عقوبات اقتصادية" وغيرها، وربما التدخل العسكري، لا سيما مع الدعوات الأمريكية والغربية عموما إلى تقديم "واجب الدفاع عن حقوق الأفراد والأقليات" على مبدأ "سيادة الدولة"..
الكلام يصدر عن الدولة التي مارست وتمارس التعاون عسكريا وسياسيا واقتصاديا مع كيان استيطاني مارس بدوره ويمارس تهشيم العظام والتعذيب "المقنن" قضائيا، وحروب العدوان، وحصار التجويع. كما في فلسطين، كما مارست وتمارس التعاون الاستخباراتي وغير الاستخباراتي مع أنظمة استبدادية همجية، كما هو الحال في سورية منذ عشرات السنين، وحملت وتحمل المسؤولية المباشرة عن الدعم الخارجي المباشر والدعم الإقليمي الموجه، لضرب إرادة الشعوب، وصناديق الانتخاب، والثورات السلمية، وكل حركة تحررية من جنوب أمريكا إلى المنطقة العربية وحتى جنوب شرق آسيا..
بل لا يزال في تلك الدولة من يسقط قتيلا بعدة رصاصات من مسدس شرطي، فلا يُسأل الشرطي عما صنع، ولا يجري تحقيق فيما صنع، فبشرته بيضاء وبشرة الضحية سوداء، وقد يقتل الأسود شرطيا أبيض فيتم إعدامه كالذي أعدم فعلا أثناء كتابة هذه السطور (١٠/١٢/٢٠١٤م) فلون بشرنه أسود، مثل من أصبح رئيس الدولة لأول مرة منذ نشأة الدولة، أي لأول مرة منذ كانت الحملات الاستعمارية تختطف من تستطيع من أهل إفريقية و"تشحنهم" على متن البواخر لاسترقاقهم في الأمريكتين، وربما كان وصوله للرئاسة لمجرد "تبييض" صفحة سلفه البوشيّ الدامية، رئيس الحروب الهمجية الأولى في القرن الميلادي الحادي والعشرين، وقد مضى بها على خطى أسلافه في حروب استعمارية عبر القرنين السابقين، بدأت في أمريكا الوسطى ولم تنته في فييتنام، وقد مارسها هو في أفغانستان والعراق، وورّث خلفه أعباءها، فلم يبدل الوريث منها سوى "أسلوب القتال" فجعله "عن بعد"، لحماية جنود دولته، أو لمجرد منع سقوط عدد من قتلاهم يؤدي إلى نقمة الناخبين لحزبه.
. . .
إنها الدولة التي ما زال يقال إن "ميثاق دستورها" المنبثق عن حرب استقلالها، هو المصدر الأول لصياغة حقوق الإنسان حديثا، إلى جانب الميثاق المنبثق عن الثورة الفرنسية، أي قبل جيل واحد من استعمار الجزائر، وسقوط مليون شهيد فيها، وهو الاستعمار الذي بقي من بعد جاثما على صدور أربعة أجيال متعاقبة من الجزائريين!.
ثم يبقى بين ظهرانينا من يقول إن الدولة الزعيمة للغرب، وإن كل الغرب، هو "المثال النموذجي" الذي يجب أن نتطلع إلى تحقيق ما حققه للإنسان وللشعوب، في كل حركة تحرير نخوضها من أجل بلادنا وشعوبنا، للتخلص من أنظمة استبدادية تغتال الأوطان، وانتهاكات همجية لحقوق الإنسان؟!
يبقى بين ظهرانينا من ينكر واقع الدولة المارقة على حقيقته، فهي دولة هيروشيما وجوانتانامو وغيرهما، صانعة انقلابات تشيلي والأرجنتين وغيرهما، مرتكبة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في فييتنام وأفغانستان والعراق وغيرها، حاضنة الانقلابيين المستبدين من قبل بينوخيت وماركوس ورضا بهلوي إلى عهد مبارك والسيسي وأمثالهما.
هل يمكن تسويغ دلك كله، لأن بعضنا يعيش في الغرب، حيث توجد درجة من "الحريات وسيادة القانون" تشمل كل من يعيش فيه، ولكن لا تسري على "علاقات الغرب عالميا"؟
هل يمكن تسويغ ذلك كله لأن في الدولة المتزعمة للغرب في هذا العصر من ساهم ويساهم في متابعة مسيرة التطور التقني والعلمي البشرية، ووصل بها إلى محطات المريخ والعناصر الوراثية، وكانت بدايتها قبل اختراع النار والحروف الأبجدية؟
ألا ينبغي أن يجد أحرار العالم ومفكرو العالم، من كل ملة وجنس ولون، طريقهم إلى التلاقي مع من هم على شاكلتهم في كل مكان، وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ولكن دون السقوط في خنادق التضليل التي تربط خطى التقدم التقني والعلمي، ومنهجية مراكز الفكر والبحث، وأنشطة روابط حقوق الإنسان وحرياته، بعجلة "سياسات دولية" دموية يسمونها "مصلحية نفعية"، وهي ملوثة بدماء البشر، يلوثها نظام حكم، لا يكفي أن يقوم على "المؤسسات والمجتمع المدني" ما دام قد طلّق "عالمية" سريان مفعول القيم والأخلاق والمبادئ والمثل، وفي نظام الحكم ذاك رئيس وحكومة ومجالس وجيش واستخبارات وانتخابات وإعلام وقضاء.. أفلايحملون معا المسؤولية عن استباحة الإنسان وتاريخ الإنسان وواقع الإنسان في كل مكان، وهم يسوّقون معا ما يصنعون، في مهرجانات انتخابية تقوم على ضمان "رفاهة" الناخبين داخل الحدود الأمريكية.. أو بعضهم دون بعضهم الآخر!
. . .
آن الأوان أن ننخلع من أوهام وردية نكتشف يوميا أنها تحمل لون الدم لا لون الورد، وتزكم الأنوف وتصم الآذان في عالم نشر الآلام، وليس في عالم "هوليوود وديزني وماكدونالد وكوكا كولا وناطحات السحاب.." ولا عالم "الروك" ونغمات الموسيقا في الجوالات!
إن الطريق لاستعادة حرية إرادة الإنسان، وحقوق الإنسان، وكرامة الإنسان، تبدأ بتحرير النفس أولا، بالتخلص من أغلال العبودية لأي ارتباط من الارتباطات التبعية وراء من ينتهك ذلك كله، من مستبدين محليين ومستبدين دوليين على السواء، في عالم السياسة والفكر والثقافة والفنون والمال.. على السواء.
هذا طريق من يريد حقا أن يصنع مستقبلا آخر للأجيال البشرية القادمة، وهذا جوهر عصر الثورات والتغيير الذي بدأ بصناعته بعض أحرار هذا الجيل من الشعوب العربية الثائرة.
نبيل شبيب