بين أيدينا على الأرض السورية تخصيصا -وليس عليها فقط- مؤشرات واضحة الدلالة لوجود ممارسات عدوانية يخدم بعضها بعضا، بين ثلاثة أطراف، يتحدثون علنا عن عداوة بعضهم بعضا.
الأطراف هم:
(١) بقايا نظام دموي همجي.. أسدي التسمية إيراني النخاع والقبضة..
(٢) تنظيم داعش.. الإرهابي بحق الإسلام والمسلمين فكرا وممارسة..
(٣) الدولة الأمريكية.. المتأنقة تأنّق "السيدة الأولى" فيما يسمى المجتمع الدولي..
كيف يتحقق هذا الشكل من التعاون، وكيف ينسجم مع تبادل الضربات هنا وهناك؟
أما الممارسات فقد تجاوزت ما يوصف عادة بالعهر السياسي أو بالإجرام ضد الإنسانية.. وكان يدور الحديث عن "تناقض" ما في مجريات الأحداث، حيث توجد نقاط تماسّ بين هذه الأطراف الثلاثة، ولكن سقط بعض التحفظات، فأصبحت الممارسات علنية متواترة في الساحة السورية (وليس فيها فقط) لا سيما في حلب وريفها حتى الحسكة، وفي القلمون شرقها وغربها، وريف حمص حتى تدمر.. وهذا الذي يجري علنا ينقل الحديث من مستوى "شكوك" بوجود تناقض، إلى مؤشرات واضحة الدلالة على وجود "تحالف ثلاثي قذر".
. . .
"التحالف القذر".. هو غالبا تحالف جزئي أو وقتي لتحقيق أهداف محددة، تتناقض ظاهريا على الأقل مع شعارات وأهداف رسمية معلنة.. لا سيما تلك ذات الصلة بمفعول قيم وأخلاق ونظم.
"التحالف القذر" لا يتم بإخراج سياسي وديبلوماسي وعقد رسمي، بل قد لا يقترن باتفاق شفهي "سري" أصلا، ولكن يقوم على توافق ما، في نطاق ما يعرفه المتحالفون عن أهداف بعضهم بعضا، وهنا تكفي إشارات مقصودة لبيان خطوط حمراء، يؤدي تجاوزها إلى صدام، ويبقى الصدام مدروسا بقدر حجم التجاوزات، أي بحيث لا يؤثر على استمرار التحالف القذر نفسه وما يحققه من منافع أخرى غير مشروعة، لكل طرف على حدة.
ما يدفع إلى "تحالف قذر" هو استحالة "التحالف الرسمي".. بسبب تناقض ما مع "القيم".. وبين أيدينا:
(١) بقايا نظام كُشفت عوراته جميعا، واغتالت بشاعة جرائمه مزاعم الممانعة والمقاومة فأسقطت آخر "ورقة توت" انتحلت انتسابه وانتساب داعميه إلى أي منظومة قيم معتبرة..
(٢) داعش.. وكانت حريصة في مرحلة التمدد الجغرافي على حرف الكلم عن مواضعه لتأويل ما تقول وتصنع، وتخلت في مرحلة الغرور الراهنة عن بعض ذلك الحرص، فأصبحت ممارساتها مكشوفة "مضمونا وتوقيتا ونتيجة" ويستحيل تبريرها مهما بلغت براعة التأويل أو التزوير..
(٣) الولايات المتحدة الأمريكية.. ومعروف أنها تمارس خارج الحدود على الأقل ما لا تحتمله "سياسة نظيفة" ولا قانون دولي، ورغم ذلك فهي في حاجة -لأسباب "داخلية"- إلى العمل بأسلوب التحالف القذر في مواقع عديدة، فسياساتها وممارساتها قائمة على معادلة مركبة بين:
(١) انتشار فكر "واقعية نفعية" غير مشروعة.. يخدّر الضمائر
(٢) بقايا منظومة قيم لها مفعولها.. ولكن داخل الحدود فقط
(٣) نظام سياسي أمريكي يربط السلطة التنفيذية بالانتخابات.. بغض النظر عن سلامة مجراها ومفعول مهرجاناتها
ويبدو أن بوادر نشأة "تمرد إقليمي" على تطوير السياسات الأمريكية-الإيرانية في المنطقة، لا سيما في اليمن وسوريا (ولن يستثني الدول الأخرى في الربيع العربي) هي التي جعلت واشنطون تمضي خطوات أبعد في "التحالف الثلاثي القذر"، بهدف احتواء مفعول انتصارات ثورية ميدانية، والحيلولة دون تحول تلك البوادر الأولى إلئ "تحالف إقليمي نظيف" جديد، قد يضع حدا لنشر "الفوضى الهدامة" الإرهابية أمريكيا والإرهابية إقليميا على السواء.
الرد على ذلك:
(١) مزيد من الخطوات على طريق توحيد الجهود الميدانية الثورية وتوسيع نطاقها
(٢) كفّ حملات المرجفين والمشككين المستهدفة كلّ إنسان.. وكل طرف، فقد أصبحت تلك الحملات أقرب ما تكون إلى خدمة أغراض" التحالف الثلاثي القذر"
(٣) ارتفاع العاملين المخلصين في ميادين السياسة والفكر والتمويل والدعم إلى مستوى المسؤولية الكبرى للتلاقي على قواسم مشتركة وترجمتها إلى مشروع مستقبلي، فقد يصبح هذا التلاقي مصدر طاقة فاعلة كبيرة لدعم قوة تحالف إقليمي نظيف.. وإخفاق التحالف الثلاثي القذر.
نبيل شبيب