تحليل – بين المسار الثوري والمسار الدولي

ما الذي تواجهه الثورة الشعبية في سورية من خلال تكثيف الجهود المبذولة دوليا، بالقوة الفاجرة والسياسة الماكرة، وقد وصلت في هذه الأثناء إلى محطة تجمع بين الغزو الإرهابي الروسي وقرار مجلس الأمن الدولي يوم ١٨/ ١٢/ ٢٠١٥م؟

 

البعد الزمني

بعيدا عن ردود الفعل المتشنجة غضبا، أو المتراجعة إحباطا، أو المتصلبة حماسة، نعود إلى المنطلق الموضوعي للتفاعل في صناعة الحدث ونجد بين أيدينا معالم أساسية وقواعد تتحكم في توجيه ما يجري وفي نتائجه، وأهمها:

١- ليس الحدث شارعا باتجاه واحد..

مسار الثورة الشعبية في سورية ومسار التعامل الدولي معها عنصران يتبادلان التأثير على بعضهما بعضا، والحصيلة هي نوعية التغيير وحجمه ومدى صلابة أسسه واستقراره.

٢- جناحان لهدف واحد..

الثورة وسيلة التغيير، وهو الهدف القائم على دعامتين لا غنى للثورة عن أي منهما: لا استبداد محليا ولا وصاية لهيمنة أجنبية.

٣- البعد الدولي لثورة شعبية..

منذ الهتاف الأول: الشعب يريد إسقاط النظام -في سورية وأخواتها- كان واضحا للقوى الأجنبية أن سقوط الاستبداد "المحلي" يعني سقوط المصالح والمطامع المرتبطة بحلقات ارتباطاته الخارجية، إقليميا ودوليا، أي أن الثورة لم تستهدف القوة الاستبدادية الفاجرة الداخلية فحسب ـوقد تهالكت سريعا- بل تستهدف أيضا المصالح المشروعة والمطامع غير المشروعة "للقوى الخارجية" ذات العلاقة المباشرة بتلك الارتباطات.

٤- لا وجود لعدو متجانس..

رغم تلاقى القوى الخارجية على كثير من "القواسم المشتركة" في التعامل مع قضية سورية، يوجد أيضا كثير من "عناصر الصراع" المؤثرة على علاقاتها وعلى تعاملها مع القضية.

٥- عدو ينجح ويفشل..

القوى الخارجية تستخدم وسائل "القوة العسكرية" و"الوسائل السياسية" و"التحالفات" و"العمل المنهجي المدروس" وتقترب من تحقيق أغراضها بقدر ارتفاع نصيب فعالية هذه الوسائل، مقابل "العقبات" نتيجة "أخطاء جسيمة" و"نكسات كبيرة" و"ردود فعل غير مدروسة" و"تطورات مفاجئة".

٦- ثورة تتقدم وتتأخر..

مع عدم إغفال الفارق النوعي بطبيعة الحال يمكن القول إن القوى الثورية تستخدم الوسائل المذكورة أيضا، وتواجه عقبات مماثلة.

٧- التغيير بالإنجاز..

السؤال الحاسم: هل يكون لفعالية الوسائل أم مفعول العقبات النصيب الأكبر في مجموع الحصيلة من العمل الثوري، أي من الوسيلة (الثورة) الموصلة لهدف التغيير.. ومعيار الجواب هو "الإنجازات التغييرية" ذات صفة الديمومة، وليس "البطولات والتضحيات"، ولا يستهان هنا بالألم والمعاناة.

. . .

لم ينقطع انتقال مسار الثورة من محطة إلى محطة ومن جولة إلى جولة، ولعل أكثر تلك النقلات وضوحا للعيان إضافة العمل الثوري المسلح (عنصر القوة) إلى العمل الثوري السلمي (محاولة الإصلاح) وتعبر الثورة في هذه الأثناء نقلة مفصلية أخرى بإضافة العمل الثوري السياسي.. أو بتعبير أدق: الاستعداد لاستخدام أداة الجانب السياسي إلى جانب أدوات العمل الثوري الأخرى.

الهدف التغييري ليس موضوع حديث هنا ولا يبنغي أن يكون.. ولكن لن نصل إليه بالنزاعات حول التفاصيل دون "الجوهر" بمعنى مواجهة الأسئلة الجوهرية:

١- كيف ندعم الاستعدادات الذاتية الضعيفة بالمقارنة مع أهمية الجولة السياسية، لترتفع إلى مستوى أفضل.. ولكن دون الانزلاق إلى الخوض في جدال لا نهائي حول فلان وفلان وهذه الخطوة الجزئية وتلك وهذا التصريح الجانبي وذاك؟

٢- كيف نركز موضوعيا على "حصر" الميزات والنواقص فيما يوجد بين أيدينا من أدوات (أشخاص.. ووسائل.. وأجهزة).. للعمل على رفع مستوى الأداء دون الانزلاق إلى نفق تبادل الاتهامات (في غياب توافر الشروط من أدلة وقضاء) فلن يوصل هذا النفق قطعا إلى "التلاقي" على تصويب الأخطاء الحالية والمتوقعة، و"العمل المشترك" لإضافة مزيد من أسباب القوة ووسائل الإنجاز؟

بتعبير آخر:

من يستشعر حقا الخطر بسبب الفارق الكبير بالمقاييس المادية ما بين قوى عسكرية وسياسية تواجهنا، وأسباب قوة عسكرية وسياسية لدينا، ويريد مخلصا إزالة الخطر، فليتجنب مقولات وأفعالا تساهم في تدمير "القليل.. الناقص" من إمكاناتنا، فدليل الإخلاص هو إضافة جهوده المحدودة إلى جهود سواه في العمل الموضوعي لرفع مستوى "استثمار" القليل الناقص الذي نملكه، والتعاون لا التنابذ على طريق إصلاحه وتحسينه من أجل أن نحقق إنجازا كبيرا، تغييرا تاريخيا، نصرا مؤزرا.. سمّه كما شئت، فذاك في الحصيلة هو ما تعنيه ثورة شعب لا يملك الإمكانات المادية التقليدية، وهو يشق طريقه نحو تغيير تاريخي بأبعاد دولية وحضارية.

من أراد دعم الثورة فليرتفع إلى مستوى شعبها ومعجزة تحركه حتى حرك الدنيا كلها من حوله، وهو مستمر على المعاناة والتضحيات والبطولات.

نبيل شبيب