تحليل – المسلمون في ألمانيا بعد انتخابات ٢٠١٧م

بغض النظر عمن خسر ومن فاز من الأحزاب الألمانية في انتخابات ٢٠١٧م فإن النتيجة العامة تقول إن الجناح اليميني، الموصوف بالمعتدل والموصوف بالمتطرف ازداد قوة في المجلس النيابي الجديد على حساب ما يوصف باليسار، علما بأن قسما كبيرا منه بات منذ سنوات كما هو في معظم البلدان الأوروبية، يمثل "اليمين" بنكهة يسارية.

التخوف مما يوصف بصعود اليمين الشعبوي المتطرف، لا مبرر له، بل هذا ما أوجد ويوجد ردود فعل ستؤدي مفعولها تدريجيا، كما أن التعامل مع الوجود الإسلامي في ألمانيا لا يرتبط ارتباطا مباشرا بهذه النتيجة، إنما يرتبط بأمرين:

من المنظور الحزبي السياسي: لا تزال النظرة العامة تعتبر الإسلام وافدا رغم أن النسبة الأعظم من المسلمين هم من أصول ألمانية أو مختلطة، معتنقون للإسلام أو من مواليد ألمانيا أو متجنسون من المقيمين منذ عقود في هذا البلاد، وجميع أولئك يشاركون في صناعة ما يتم إنجازه في ألمانيا، هذا إضافة إلى نسبة من الوافدين حديثا لا سيما المشردين عن سورية، وقد بدأ عطاء كثير منهم بالظهور للعيان أيضا.

من منظور المسلمين أنفسهم: لا يزال القصور قائما على صعيد القدرة على الجمع بين تعدد الانتماءات، دينا وثقافة وموطنا ولغة وعرقا، وعلى صعيد تطبيق القاعدة الأساسية للتعايش والمصلحة والعطاء، وهي المشاركة من منطلق المواطنة في الحياة الألمانية في كل ما يقوم على قواسم مشتركة تحقق الفائدة للجميع، واقتصار تميز الهوية الذاتية على الجوانب التي تفرض التميز، شأن المسلمين في ذلك شأن على فئات أخرى من المجتمع، فهي شريكة في قواسم مشترك ومتميزة بجوانب خاصة بها، دون تعدّي فريق على فريق.

. . .

انطلاقا من هذه القاعدة ومن الواقع القائم في ألمانيا حيث يفرض الفرد نفسه ووجوده ومصالحه المشروعة بقدر ما يحقق من إنجاز إيجابي، ابتداء بتحصيل العلم والكفاءة مرورا بالخدمات الاجتماعية انتهاء بعوالم السياسة والاقتصاد.. نجد الأبواب مفتوحة للمسلمين كسواهم، أمام كل عطاء على الصعيد العلمي، والأدبي، والفني، والاجتماعي، والبيئي، والرياضي، وعلى صعيد حقوق الإنسان والأسرة والإعلام والفكر والقيم والسياسة الهادفة، وبقدر ما ينمو هذا العطاء ويتعاظم، بقدر ما يزداد مفعول آليات وجود المسلمين كجزء عضوي من المجتمع، مع الحفاظ على خصوصياتهم، مثلهم في ذلك مثل سواهم، سيان ما هي التشكيلة الحزبية التشريعية الناشئة عن انتخابات دورية، وسيان من يصل منها إلى السلطة التنفيذية، وسواها.

صحيح أن العقبات كبيرة، ومنها ما هو موروث تاريخي وثقافي بدأت مراجعته حديثا فقط، ومنها وليد انحراف وتشدد عند جهات حزبية وغير حزبية، وبعض ذلك من أوساط المسلمين أنفسهم، ولكن معظم هذه العقبات لا تصدر عن مفعول الانتماء الديني أو العصبية القومية أو غياب القيم ثقافيا ومعرفيا، ومن الطبيعي ألا تضمحل تلك العقبات ذاتيا، إنما يضمحل مفعولها في واقع الإنسان والمجتمع، بقدر ما يتحقق من إنجازات إيجابية تتراكم وتترك أثرها على العلاقات البينية بين الأفراد وأطراف المجتمع الواحد.

العمل.. يعني تجاوز العقبات، ولا يعمل من ينتظر زوالها دون بذل جهد موضوعي هادف.

جيل الشبيبة من المسلمين قادر أكثر من سواه على الإنجاز الفردي المطلوب بحكم نشأته ولغته والعنصر الزمني بين يديه، كما أنه قادر على إثبات وجوده عبر المشاركة في إنجازات جماعية من خلال المؤسسات والأنشطة في مختلف الميادين الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.. ومن العقبات التي ينبغي أن يتجاوزها ما لا يزال يوجد بدرجات متفاوتة في نطاق المسلمين أنفسهم.

إن الوضع بعد انتخابات ٢٠١٧م، كالوضع بعد انتخابات سابقة، ينتظر من يعمل ليحصد النتائج، أما من يكتفي بانتظار أن تتغير الأوضاع لصالحه عبر انتخابات تالية دون أن يعمل بنفسه ويسعى لذلك، فهذا من الأوهام التي تتناقض مع حقائق الواقع المعاصر، وتتناقض قبل ذلك ومن بعده مع عقيدة المسلم، فهي لا تكتمل دون العمل مع الإيمان والاستقامة، والعلم مع الإنجاز والتفوق ومراعاة عنصر الزمن، والوعي والتواصل وتشبيك العلاقات الإيجابية الهادفة مع مراعاة منظومة الأخلاق والقيم.

نبيل شبيب

 

ألمانيا