تحليل – المسؤولية الثورية في رمضان

يعرف المؤمن الصادق مفعول الإيمان صلاة وصياما وقياما وذكرا..

ويعرف مفعول الإيمان أخلاقا حميدة وسلوكا قويما..

ويعرفه إنفاقا وسخاء وتضامنا وتعاونا وتواصلا..

وها هو شعب سورية الثورة يعرّفنا -إلى جانب هذا كله- بمفعول الإيمان تضحية وعطاء بلا حدود، وصبرا تعجز عنه الجبال، وصمودا وثباتا على الحق حتى يأذن الله بالنصر.

هي ثورة الإيمان تصهر الإنسان كما يصهر الحديد وتعيد صناعته إنسانا آخر، قادرا على صناعة التغيير، وصناعة الحياة، وصناعة الحاضر والمستقبل.

ما أشد آلامنا في هذه الأيام من رمضان وما أشد حياء كل فرد مؤمن لا يملك من خارج ساحات الألم أكثر من استشعاره عن بعد، والدعاء من أعماق القلب أن ينزل الله سكينته على قلوب ذوي الشهداء، والمعتقلين والمشردين والمعذبين، وأن يحفظ بعونه أهلنا المحاصرين، وهم يحسبون في كل لحظة حساب ألسنة اللهيب تطلقها الهمجية الأسدية وبراميلها المتفجرة، وأن يجمع القلوب قبل السواعد، والعقول قبل الأجساد على متابعة مسيرة ثورة التغيير حتى تستأصل آخر مجرم يمارس جرائمه بحق شعب سورية -وشعوب بلادنا الأخرى- ويعدّ لنفسه بنفسه مكانه في الدرك الأسفل من جهنم يوم يقال: هل امتلأت وتقول هل من مزيد.

. . .

يحل رمضان مجددا على ثورة شعب سورية الأبي، وهو أقوى مما كان عليه تصميما على متابعة طريق التحرر والتغيير..

يحل رمضان مجددا على شعبنا وهو يتعرض لأخبث المؤامرات المحلية والخارجية، لتمزيقه شعوبا وعصبية طائفية وفتنا حمراء، وتقطيع أوصال أرضه اقتتالا، وللحيلولة دونه ودون حياة عزيزة حرة كريمة عادلة آمنة..

ولقد تحرك الشعب الثائر قبيل أول رمضان من أعوام الثورة، وهو لا يملك عشر معشار ما يملكه أخطبوط الاستبداد وأعوانه، واستطاع الصمود، وتلقى ما تلقاه عاما بعد عام، وتخلى عنه الأصدقاء المراوغون "صديقا بعد صديق" -إلا من رحم ربي- واستطاع الصمود، وبدلا من أن ينكفئ على نفسه ويخنق ثورته، كما أراد المتآمرون على حريته وكرامته، إذا به يسجل مع المعاناة انتصاراته وبطولاته، حتى تحول رأس الاستبداد إلى عبء على حلفائه، وورقة مساومات وراء الكواليس بينهم وبين خصومهم الدوليين، وكل يريد أن يحقق لنفسه ما يستطيع قبل أن تسبقه الثورة إلى صنع واقع جديد لا مكان فيه لاستبداد داخلي ولا دولي.

. . .

هذا ما يضعنا الآن أمام مهام جسيمة.. فما شهدناه ونشهده في مصر، واليمن، وليبيا، وتونس، يؤكد أن هذه الثورة الشعبية العملاقة في سورية، مقبلة بعد إسقاط رأس الأخطبوط الاستبدادي على ما يتطلب أقصى درجات الحذر، والجهد المتواصل للحفاظ على النصر الموعود المقبل إن شاء الله.

إن كل تعاون صادق اليوم بذرة للتعاون المفروض غدا..

وإن كل خطوة مدروسة اليوم ضمان لخطوات قويمة غدا..

وإن كل عطاء ممكن وكل لحظة صبر وكل دعم لثائر وكل نجدة لملهوف جميع ذلك لبنات يقوم بناء الغد عليها، ويتحقق الحفاظ على ثمرات النصر من خلالها..

ولكن من أجل أن يكون ذلك واقعا لا أحلاما وأمنيات، لا بد من التلاقي من وراء المسافات وتباعد الأمكنة ومن وراء الخلافات وتعدد الرؤى، على قواسم مشتركة بين جميع أهل سورية على الثوابت الثورية الوطنية اليوم، وأهداف العيش المشترك في الوطن الموحد غدا.

وليست صياغة الرؤية البعيدة المدى ومشروع بناء المستقبل من مسؤولية أهلنا المدافعين بأنفسهم ليلا ونهارا عن حاضرنا ومستقبلنا في ميادين المواجهة، ولا من مسؤولية أهلنا المحاصرين الصابرين..

إن القادرين خارج نطاق المواجهة والحصار، على أداء هذه المهمة الجليلة، يرتكبون -إن تقاعسوا عن النهوض بمسؤوليتهم- إثما كبيرا، تجاه أنفسهم وأهلهم وبلدهم والأجيال القادمة.. وهيهات أن ينفعنا من دون ذلك في هذا الشهر الفضيل الاكتفاء بذكر لا يحيي القلوب والعقول ودعاء لا يقترن بالتخطيط والعمل.

نبيل شبيب