تحليل – الجائزة التائهة بين حروب أوباما وسلام نوبل

 

التغيير بالأحلام – أحلام أوباما.. أمريكية – حياء أوباما.. وواقعيته – حلم نوبل الضائع

 

تكريم أحرج من تلقاه ومن أعطاه ومن سبق أن حصل عليه ومن سمع به من الأقربين في بلده، ومن خارج بلده، وأثار عليه تهكم الخصوم والأعداء، فلا تعليل التكريم كان منطقيا، ولا توقيته كان مناسبا، ولا حمل مفعوله المرجو حدا أدنى من المصداقية، بمنظور مختلف المنطلقات والتوجهات.

 

التغيير بالأحلام

غالبية الثلثين من الأمريكيين أنفسهم تقول في استطلاع للرأي عشية تسليم رئيسهم أوباما جائزة نوبل للسلام، إنه لا يستحقها، وهو الذي هبطت شعبيته (لضعف إنجازاته الداخلية وليس الدولية فقط) خلال أقل من عام إلى أدنى مستوى عرفها تاريخ أسلافه في الرئاسة الأمريكية دون استثناء، فوصلت إلى 47 في المائة، بينما كان الرقم القياسي من نصيب أول رؤساء تيار "المحافظين الجدد" رونالد ريجان (49) وأشهر رؤساء "الحرب" الأمريكيين هاري ترومان (49 أيضا).. أما جون كنيدي الذي يعتبره أوباما قدوة له فقد كان يحظى بعد عام من تولي منصبه بتأييد (77 في المائة)..

وكان على كثير من القادة السياسيين الغربيين أن يستنفذوا في تعليقاتهم على تكريم أوباما بجائزة نوبل، أقصى ما لديهم من اللياقة الديبلوماسية، بمعنى القدرة على تغطية أسوأ القرارات بعبارات مائعة، أو بالتركيز على حد أدنى من جوانب إيجابية فيها وتجاهل سلبياتها مهما كانت صارخة.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي راسموسن يشيد بجهود أوباما من أجل التفاهم بين الشعوب.. ليركز على دعم تصميم حلف شمال الأطلسي لتحقيق السلام والدفاع عن حقوق الإنسان، وكأنه يقول لنوبل في قبره: السلام الذي تريد دعمه بجائزتك السنوية هو ما تصنعه الدبابات والطائرات والقذائف والقنابل والبوارج والصواريخ، وهو سلام المقابر ما دامت تضم مئات الألوف من الضحايا.. من أهل البلدان التي يريد الحلف بزعامة أوباما "فرض" السلام فيها بالقوة!..

وكان رئيس المفوضية الأوروبية باروسو أشد حذرا وهو يعتبر الجائزة من أجل "حلم" أوباما المستقبلي، ولتكون "دافعا" كي يحقق الحلم، أما الأهم لديه فهو مشاركة أوباما لحلفائه في البحث عن حلول جماعية تجاه تحديات جماعية.. ولا يخرج ذلك قطعا عن صبغة "حلول جماعية غربية" وإن جمعت حولها قوى دولية أخرى خارج نطاق "ثلثي" العالم المعرض لمظالم الاستبداد الدولي.

و"الحلم المستقبلي" هو ما يراه جورباتشوف أيضا، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ولكن بعد أن تحرك فعلا لا قولا لكسر ما كان يسمى الستار الحديدي بين معسكري الحرب الباردة.. كذلك فـ"الأمل المستقبلي" هو ما عبرت عنه ديبلوماسية مانديلا، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ولكن بعد أن تحرك فعلا لا قولا لكسر جدران العنصرية "البيضاء" في جنوب إفريقية.. وإن ركز مانديلا في حديثه الديبلوماسي عن ذلك الأمل على "مكافحة الفقر"، ربما في إشارة ذات مغزى إلى حقيقة ازدياد انتشاره خلال الشهور التسعة الأولى لأوباما في منصبه، بما يعادل 25 في المائة حتى تجاوز المليار نسمة!              

 

أحلام أوباما.. أمريكية

لا غرابة إذن أن يجد رئيس لجنة منح الجائزة توربيون ياجلاند نفسه مضطرا مرة بعد أخرى للدفاع عن قرارٍ ربما كان يتمنى لو أمكن إلغاؤه، فيكرر القول في حدود ما يعبر عن "التمني" أن يصنع الرئيس الامريكي كذا وكذا، وعن "أجواء ديبلوماسية ودية" أشاعها، وعن "عالم دون تسلح نووي" لا يستطيع أحد مجرد التنبؤ أنه سيكون أثناء "حياة أوباما" وليس اثناء فترة رئاسته فحسب!

إنما لم يجد ياجلاند على ما يبدو كلمات مناسبة للإشارة إلى أن قرار اختيار أوباما للجائزة (يوم 9/10/2009م) صدر بعد تنفيذ قرار أوباما الأول بإرسال 21 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، وأن يوم تسليم الجائزة (10/12/2009م) كان بعد 9 أيام من إعلانه عن إرسال 30 ألفا آخرين!

لقد كان من المفروض تبعا لذلك أن يحصل على "جائزة العنف" لا السلام، على حد تعبير صبيح الله مجاهد، الناطق باسم طالبان، وهو يشير إلى أن التصورات الزائفة بشأن أوباما وأنه سيمحو ما صنع سلفه بوش الابن قد تبخرت، فقد تجاوزه في حرب احتلال أفغانستان بمراحل.. بل هذا ما دفع المخرج الأمريكي المعروف مايكل مور إلى إطلاق لقب "رئيس الحرب" على رئيسه الأمريكي باراك أوباما.

ولكن الأهم مما سبق:

ما الذي يسوغ اعتبار "حلم أوباما" هو حلم البشرية، ليستحق عليه من قبل تحقيقه جائزة يُفترض فيها وفق إرادة مؤسهها، أن تساهم في إعطاء دفعة لتحقيق أحلام البشرية وليس أحلام دولة بعينها أو زعيم سياسي بعينه!..

إن "حلم" أوباما المستقبلي الذي يكثر الحديث عنه، لا يتعدى في جوهره وفي أقصى ما يمضي إليه لو تحقق، أن يستعيد لدولته الأمريكية مكانة "الرفاهية" داخليا و"الزعامة" دوليا.

أما خدمة السلام العالمي بوسائل السلام، كما أرادها ألفريد نوبل لتكون محور تعليل أي تكريم لأي شخصية سياسية أو غير سياسية عبر "جائزة السلام"، فقد كان ردّ أوباما عليها يوم استلامه الجائزة بأن "الحرب ضرورية أحيانا".. والحرب الضرورية في نظره هي الحرب الأمريكية، أو الأطلسية، أو الغربية.. وليس حربا تتلاقى عليها إرادة جماعية للأسرة البشرية، لمواجهة المارقين على الشرعية الدولية.. وجلهم من الساسة الغربيين ومن يتبع لهم في عوالم السياسة والأمن والاقتصاد وحقوق الإنسان وحرياته، من قبل وعد بلفور إلى ما بعد جوانتانامو.

"خدمة السلام العالمي" تجلّت عند أوباما من قبل وصوله إلى السلطة، وتجلت بوضوح أكبر وتصميم أشد على أرض ممارساته الفعلية بعد وصوله إلى السلطة، فكانت عبارة عن:

– عشرات الألوف من الجنود مع أفتك الأسلحة لأفغانستان..

– وتبني الخطة التي خلفها بوش لترسيخ نتائج احتلال العراق بعد الانسحاب..

– والامتناع (وليس العجز كما يقال تبريرا وتمويها) عن مجرد وقف مسلسل تهويد الأرض المحتلة وقد تضاعفت خطاه ونتائجه خلال شهور رئاسة أوباما الأولى أكثر من أي وقت مضى من قبله..

– والاستمرار على بذل المساعي الغربية بزعامة أمريكية لتفتيت السودان، وتدمير الصومال، وحصار المقاومة..

– والتراجع والتردد على صعيد بذل حد أدنى من الجهود الغربية الضرورية للتعويض عن بعض ما ارتكبته السياسات والممارسات الغربية حتى الآن بحق البشرية، ويتجلى فيما تشهده الساحة العالمية للأسرة البشرية على صعيد الجوع والفقر والمرض والمخاطر المناخية والاستبداد المالي.. ومعظم بوائق هذه الأوبئة يحمل بصمات السياسات الأمريكية من قبل الحرب العالمية الثانية إلى اليوم.

 

حياء أوباما.. وواقعيته

لعل أوباما شعر ببعض الحياء -وكان قد أدرك منذ الإعلان عن تخصيصه بالتكريم السنوي عبر جائزة نوبل للسلام أنه لا يستحقها، وعبر عن ذلك بقوله إنها تحمله "مسؤولية" ولا يراها جائزة على إنجاز سبق- ولكن حياءه لم يصل إلى مستوى البحث عن سياسات أخرى غير التي يمارسها في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال والسودان وأخواتها.. بل حاول حتى وهو يستلم الجائزة في أوسلو استخدام أقصى ما يستطيع من "بلاغة" خطابية لتسويغ زيادة القتل بزيادة الجنود والعتاد في أفغانستان بدعوى "السلام"!

إن منح أوباما الجائزة جعل منها جائزة تهكمية في نظر رالف سينا المعروف بدفاعه عن حقوق الإنسان، وعبئا ثقيلا على حد تعبير المحرر الصحفي كريستيان مالتسان.. فهي تُمنح لمن كان العام الأول لرئاسته عام "تضييع الفرص" على حد تعبير مونيكا لوكي من منظمة العفو الدولية.. وهي جائزة يستلمها أوباما دون أن يحمل في جعبته شيئا، إنما قد يحقق شيئا في المستقبل حسب رؤية فيننشنال تايمس.

لا يكفي مقابل ذلك وسواه.. وسواه كثير.. أن يقول روبرت جيبس، الناطق الرسمي الحكومي، عن رئيسه "إنه يفهم ويتقبل عدم إمكانية تصنيفه مع بعض أسلافه الذين حصلوا على جائزة نوبل مثل مانديلا وتيريزا"!.. فجميع ما سبق وسواه يصرخ في وجه رئيس أمريكي -سيان ما اسمه- وهو يستلم جائزة نوبل:

أين التغيير؟ أين البوادر الأولى في اتجاه التغيير على الأقل؟

أوباما بعد استلامه منصب الرئاسة -كما يقول كثير من المحللين الغربيين- سياسي "واقعي" كسواه من أقرانه الغربيين، وإن تميز عنهم بقدرة أكبر على الخطابة، وعلى استخدام "الرموز" في خدمة السياسة، و"التعابير الديبلوماسية" في الحوار، ولم يجد تجاه موجة الانتقادات عالميا وأمريكيا سوى أن يستخدم هذه الأساليب يوم استلام الجائزة، فألغى حضوره "مأدبة طعام ملكية" مع عاهل السويد، وألغى الظهور أمام الصحفيين كما يصنع حاملو الجائزة عادة، وألغى الزيارة التقليدية لمقر لجنة منح الجائزة، وأجّل مشاركته المعلن عنها سابقا في مؤتمر كوبنهاجن حول المناخ العالمي.. واختصر مجموع رحلته من واشنطون إلى أوسلو ذهابا وإيابا واستلاما للجائزة، إلى 24 ساعة فقط.

ليس في شيء من ذلك فائدة، وليس في التعليقات انتقادا وتأييدا، مباشرة وبأسلوب التعبير الديبلوماسي الحذر، ما يسمن أو يغني من جوع.

 

حلم نوبل الضائع

سيان من يحصل على تكريم من هذا القبيل، فلا يحقق التغييرَ المطلوب إنسانيا وليس أمريكيا، منحُ جائزة نوبل للسلام، أو منعها، ولا تعليل ذلك بإنجازات سابقة وفق المنظور الغربي لمانحي الجائزة، أو بإنجازات مرجوة وفق المنظور نفسه. 

لا يخسر أوباما شيئا ولا يكسب جديدا عبر جائزة نوبل للسلام، ولا يخسر العالم شيئا ولا يكسب عبر حصول سياسي أمريكي آخر على هذه الجائزة، إنما الخسارة الأعظم من نصيب مكانة الجائزة نفسها، حتى تحولت إلى مادة للتهكم المرير حتى على ألسنة من ينتمون إلى الغرب انتماء مطلقا.

لقد خسرت الجائزة المرموقة دوليا فرصة تاريخية أن يكون موعد منحها وتسليمها مناسبة سنوية لمراجعة دولية تعلن إدانة مشتركة لأفاعيل أمراء الحرب والعنف والهيمنة والاستبداد الدولي والاستغلال والعدوان.. سواء كانوا يحملون شارات "سلام" أطلسية، أو أمريكية، أو شيوعية أو من أي جهة من الجهات.. ما دامت الحصيلة هي اغتصاب حقوق الشعوب، وانتهاك سيادة الدول، واستخدام أسباب القوة، المالية والعسكرية وسواها، لفرض إرادة قلة من البشر تمتلكها وتمتلك صناعة القرار باستخدامها، لتهيمن من خلال ذلك على سائر مقومات وجود البشرية، خارج حدود بلدانها الغربية.

وما دام الحديث منتشرا هذه الأيام عن "أحلام مستقبلية" تستحق التكريم.. فإن ما خسرته جائزة نوبل عبر مسيرتها التاريخية من قبل بيجن والسادات حتى أوباما، هو "الحلم" الذي راود صاحبها الأول ألفريد نوبل، ألا تكون جائزة "غربية" بل جائزة "إنسانية" وألا تنطلق من موازين المصالح الغربية، بل من معايير السلام المشتركة بشريا.

نبيل شبيب