تحليل – التحرش بالنساء ليلة رأس السنة في ألمانيا

ــــــــــــــــ

أثيرت في ألمانيا ضجة إعلامية كبيرة حول حوادث تحرش جماعي بنساء وفتيات أثناء الاحتفالات العامة في الساحات بليلة رأس سنة ٢٠١٦ الميلادية، لا سيما في مدينتي كولونيا وهامبورج، ويحسن في البداية التأكيد أن كل تحرش جنسي أو عنف جسدي أو معنوي ضد المرأة، في أي مرحلة من عمرها، وفي أي مكان توجد فيه، وسيان إلى أي جنسية أو دين تنتمي، وفي أي بلد تقيم، هو جريمة دنيئة منحطة، تكشف عن نزوة شيطانية لدى من يمارس ذلك، وانحراف في أخلاقه وتكوين شخصيته، ومن هنا فإن أي حديث لبيان بعض ملابسات الموضوع لا يعني تبرير أعمال وقعت، لا جماعيا ولا فرديا، ولا الدفاع عمن بدأت توجه إليهم أصابع الاتهام المتسرعة من “اللاجئين” ولا سيما السوريين.

إن تناقل الحديث عن هذا الحدث في وسائل الإعلام التقليدية والشبكية، يتضمن قدرا كبيرا من المغالطات ومن الأحكام المتسرعة، ويوظف لأغراض لا علاقة لها بالقضية نفسها، سواء في ذلك ما يتعلق بالجانب السياسي والجدال الدائر حول اللجوء في ألمانيا وأوروبا، أو ما يتعلق بأغراض أخرى مثل تشويه صورة “المشردين” عن سورية تخصيصا، وتحويل الصورة المنتشرة عنهم -بحق- أنهم “ضحايا” إلى صورة مفتراة أنهم “مجرمون” أو “متهمون” على الأقل. ولا يتسع المجال لتفصيل طويل حول الموضوع، فتكتفي الفقرات التالية بطرح بعض العناوين فحسب:

١- على النقيض مما توحيه كتابات إعلامية، لا توجد حتى الآن إدانات، ولا حتى اتهامات رسمية معتبرة في ألمانيا، بوصفها دولة القضاء والقانون، إنما هي مقولات تعميمية تتناقلها الأقلام والألسنة بقصد ودون قصد، دون مستوى الأدلة القانونية أو الشهادات الدامغة.

٢- توجد انتقادات شديدة تجاه الأجهزة الأمنية التي نشرت -بالتقسيط- معلومات عامة وناقصة ومتناقضة حول حقيقة ما حدث، فأفسحت المجال لاستغلال المستغلين، لا سيما من يناهضون سياسة فتح الأبواب لاستقبال المشردين واللاجئين عموما.

٣- لا يبدو من المعطيات الحالية أن القضاء سيصل إلى حصيلة قاطعة، لغياب “الأدلة”، ولكن لا يتوقع أن تغيب القضية عن الاستغلال سياسيا وإعلاميا في الفترة المقبلة.

٤- الحديث على ألسنة بعض السياسيين بشأن ترحيل “اللاجئين” أو “رفض طلبات اللجوء” إذا ما ثبت تورطهم في هذه الأعمال، لا يستند إلى “أرضية قانونية”، ولكنه حديث يدور بدوافع سياسية تستهدف إيجادها.

٥- تصوير الحوادث التي وقعت كما لو أنها تقع “لأول مرة..” لا أصل له، فلم تعرف ألمانيا في احتفالاتها العامة برأس السنة وأيام “الكرنفال” عاما واحدا خاليا من أعمال التحرش الجنسي وممارسة العنف، بنسب عالية، فضلا عما تصنعه الإباحية عموما حتى أن نسبة الولادات ترتفع بشكل ملحوظ بعد الاحتفالات بتسعة شهور.

٦- الجديد الذي يجري التركيز عليه بحق، هو أن تلك الأعمال كانت تقع غالبا بصورة اعتداءات فردية أو من جانب مجموعات صغيرة تحت تأثير تعاطي المشروبات المسكرة، بينما أعطت حوادث كولونيا الأخيرة “الانطباع” أنها مدبرة وجماعية حاشدة.

٧- بعض المدافعين عن السوريين وأقرانهم باعتبارهم مسلمين غالبا، يعللون ويبررون بقولهم إن الأجواء الإباحية في الاحتفالات تورطهم بمثل تلك الأعمال، وهذا موقف مردود مرفوض، فالمشاركة لا تعبر عن منظومة قيم أخرى، والإباحية لا تبرر ما يصنع من يتجاوبون معها، ولا ترفع مسؤولية الفرد الشخصية عن خطيئته إذا أخطأ.

٨- أما تصوير ما صنعته قلة -لو ثبت ذلك بالدليل وليس بالأقاويل- وكأنه نسخة نمطية تمثل جميع اللاجئين، أو حتى جميع المشردين السوريين، فهذا موقف عدائي استغلالي متحامل، ونسبة نلك القلة إن وجدت، محدودة لا تكاد تذكر، لا سيما عند المقارنة بنسبة المتورطين في التحرش الجنسي والعنف ضد النساء في المجتمع الألماني وهي عالية إن لم نقل مفزعة، ورغم ذلك ليس في هذا الكلام تبرير للقلة، ولا تهوين من شأن الحدث، ولكن لا صحة لتصويره وكأن هؤلاء “الغرباء” حملوا إلى ألمانيا ما لم تعرفه من قبل.

. . .

ومع التذكير المتكرر برفض أسلوب التبرير جملة وتفصيلا، يحسن قبل “الأحكام المتسرعة” سلبا أو إيجابا، الرجوع إلى دراسات قويمة لفهم واقع “المشردين” للتعامل معهم مع مراعاة ما تعرضوا إليه وكذلك مع مراعاة ما يقدمونه للمجتمع المضيف، وهو مرتفع القيمة كما ونوعا، كذلك ينبغي الرجوع إلى دراسات قويمة لفهم واقع المجتمع الألماني نفسه فيما يتعلق بموضوع الحدث، كي يوضع في موضعه من المشهد عموما، وفيما يلي بعض المعلومات من دراسة نشرت بتاريخ ٦/ ١/ ٢٠٠٥م في موقع الوزارة الألمانية الاتحادية لشؤون الأسرة والمسنين والنساء والشبيبة، وتوجد سواها دراسات أحدث إعدادا، إنما تكتسب هذه الدراسة قيمتها من منهجية مضمونها الواسع النطاق، ومن كونها تمثل جهة رسمية، وهذا رابطها للناطقين بالألمانية.

https://www.bmfsfj.de/BMFSFJ/Service/publikationen,did=20560.html

ومن بين المعلومات الوفيرة فيها عن العنف ضد النساء، وما يتعلق بالجانب الجنسي تخصيصا، تقول بعض الأرقام الرسمية عن النساء في المجتمع الألماني:

٢١ في المائة تعرضن للاغتصاب مرة واحدة

٢٦ في المائة تعرضن للاغتصاب مرارا

١٢ في المائة تعرضن لمحاولة اغتصاب

٢١ في المائة تعرضن لأكثر من محاولة اغتصاب

٩ في المائة تعرضن لتحرش جنسي مرة واحدة دون مستوى الاغتصاب

٢٠ في المائة تعرضن أكثر من مرة للتحرش دون مستوى الاغتصاب

٦٩ في المائة تعرضن للعنف داخل بيوتهن

١٩ في المائة تعرضن للعنف أمام بيوتهن

٣٥ في المائة تعرضن للعنف في بيوت آخرين

٤٩ في المائة تعرضن للعنف في أماكن عامة (كالطريق ومرآب السيارات)

٢٩ في المائة تعرضن للعنف في السيارات الخاصة

١١ في المائة تعرضن للعنف في وسائل المواصلات العامة

٢٠ في المائة تعرضن للعنف في المباني العامة كالمقاهي والمطاعم

١٩ في المائة تعرضن للعنف في مكان العمل

نبيل شبيب

 

التحرشالتشريداللجوءشؤون المرأة